تسمع عن قرية «مسكونة» بالجن؟؟؟ (نحن في القرن الحادي والعشرين الميلادي)!!!!. اسمها «أم غريب». تقع قرب قرية اليمامة في محافظة الخرج.
للوهلة الأولى ينتابك شعور بالخوف، حين تفكر في الذهاب إليها وحيداً. «أهلها هجروها، بسبب الجن. تركوا منازلهم خاوية. يعرف حكايتها كل من في الخرج، وقليل من سكان الرياض سمعوا عنها».
مرة أخرى تفكر في الذهاب، تتردد. كيف ستصل إليها؟ وإذا بِت فيها ليلتك، هل يؤذيك واحد من الجن الذين ملأت أساطيرهم وحكاياتهم المكان وما جاوره؟ هل فعلاً هجرَ القريةَ أهلُها، لأن الجن يسكنها؟ وإذا لم يكن ذلك صحيحاً، فلمَ هجروها إذاً؟ وما نوع الأذى الذي يسببه «الجني»؟...
تقفز كل هذه الأسئلة وغيرها دفعة واحدة إلى ذهنك. لكنك لن تتيقن من إجابة أي منها، قبل أن تقضي على الأقل نصف يوم (من الثامنة مساءً، إلى الثامنة صباحاً) في المنطقة. تدخل القرية المهجورة بعد منتصف الليل، على رغم استهجان سكان القرية المجاورة واستغرابهم. «تبحثون عن الجن؟!»، جملة تخرج مع نظرة خوف وتساؤل، يتبعها تجاهل في معظم الأحيان!
تتجول في بيوتها، مع الزميل المصور سلطان الفهد، عله يلتقط صورة عفريت أو جني هنا أو هناك، ولعلك تُجري مقابلة صحافية مع أحدهم. الأمر ليس مزحة، فالمكان مخيف وموحش، والرعب والخوف موجودان في كل زوايا القرية وألوانها.
«سمعت أصواتاً في الليل، مصدرها هذه البيوت الشعبية. والنخل في هذه القرية، يتحرك»! هكذا حكايات كفيلة برمي الرعب في قلوب الشجعان. المخيلة تصنع هذا الرعب، فكل قصص الجن وحكاياته التي سمعتها وأنت صغير، تحضر بأسرع من البرق، وتتجسد في رأسك.
لم نَخف من شيءٍ مقدار خوفنا من المجهول الذي تصنعه مخيلتنا. ولا شيء يُرعبنا كما يفعل الوسواس، فحضور المجهول «متوقع» في كل لحظة، وتوقع حضوره، خوف في حد ذاته؟
الخوف لن يختلف حين تعرف أن اسم القرية «المثيله» وليس «أم غريب». ما الفرق، حتى لو كانت «أم الجنون»؟
بالتأكيد ربما زاد هذا الخوف، في حال سمعت جملةً مثل: «المَزَارِع التي تحوط القرية، مسكونة بالجن أيضاً»! لكن، كل ذلك لم يمنع من افتراشنا الأرض وشرب القهوة والشاي داخل القرية المهجورة، وانتظار المجهول من بعد منتصف الليل إلى الرابعة صباحاً....
< دخلنا محافظة الخرج، ووصلنا إلى قرية اليمامة، بحسب الوصف. الساعة الآن: العاشرة ليلاً. تجولنا في اليمامة بحثاً عمن يعرف بعض حكايات «أم غريب»، وما يدور فيها. الإشارة الضوئية بدت المكان الأفضل كي تستفسر، تقف عندها، تفتح زجاج السيارة، تسأل: «هل تعرف قرية أم غريب؟»، الرد واحد لا يختلف: «لا أعرفها... لم أسمع بها من قبل... أين تقع؟!».
تستدرك: «قريةٌ هجرَها أهلُها، بسبب الجن... نبحث عن قرية يسكنها الجن». هذه الجمل، بدت أكثر فاعلية وتأثيراً. «تدوّرون عن الجن!»، يقول شاب بلهجته المحلية، ويتبع جملته تلك بضحكة، ثم نظرة اخترقتنا، قبل أن يرفع زجاج سيارته، معلناً تجاهلنا.
الشاب العشريني تجاوب معنا على الأقل، بجملته وضحكته، لكن رجلاً مسناً حمل كثيراً من الحطب في «حوض» سيارته «الونيت»، انطلق بسيارته متجاهلاً الإشارة الضوئية أيضاً، ما ان سمع أسئلتنا، تحديداً: «هل تعرف قرية يسكنها الجن، قريبة من هنا؟».
الساعة تشير إلى منتصف الليل. لم يهتم أحد بكلامنا أو أسئلتنا، على رغم أن معظم السكان بدوا بشوشين ومرحبين، خصوصاً حين يعرفون أننا زوار، فإن هذا الترحيب يتحول بسرعة إلى استغراب وتجاهل، كلما وصل الأمر إلى الجن.
شبان يقفون عند محطة بنزين، لم يستغربوا أبداً، ربما لم يرغبوا في أن يبدوا استغرابهم. أكبرهم سناً يرد بثقة: «لم نسمع عن قرية اسمها أم غريب، لكن إن كنتم تبحثون عن الجن، فمزارع اليمامة كلها مسكونة بهم. وبين المزارع ستجدون بيوتاً طينية مليئة بهم أيضاً». يشرح لنا الشاب بعدما نزل من سيارته الجيب، كيف نصل إلى المزارع.
تيه في مزارع الجن
انطلقنا بين تلك المزارع. الطريق معبد. لكن، الطرق بدت تشبه المتاهة. ساعة من الوقت استغرقَنا، التنقل في التيه. المفارق كثيرة. والمزارع تشبه بعضها. سلطان لم يضع وقتاً، كلما أعجبه منظر طلب إيقاف السيارة كي يلتقط صوراً، كما أنه حاول جاهداً طرق أبواب بعض المزارع علنا نجد من يرشدنا إلى «أم غريب»، لكن من دون جدوى إذ لم يجبنا أحد.
لم ننس تضمين الأبواب، طالما نحن داخل السيارة. إضافة إلى أنني كنت أراقب المكان في الوقت الذي كان فيه الفهد يلتقط صوراً. بعض السيارات كانت تغير طريقها أو تعود أدراجها، حين يلمح أصحابها ضوء سيارتنا من بعيد. ربما كان عدد تلك السيارات أربع، إضافة إلى سيارة أمن، انعطفت هي الأخرى من دون أن يسألنا من فيها عن سبب وجودنا والتقاطنا الصور.
رجل الأمن لم يبد استغرابه هو الآخر، بعد أن أوقفناه، لكن بطاقتينا الصحافيتين حلتا الموضوع. «لم أسمع بقرية بهذا الاسم من قبل، لكنني أظن أن الشديدة معروفة بذلك»، يقول وينصحنا بعدم الاقتراب من الشديدة، كي لا نثير المشكلات مع أهلها، أو من يسكن بالقرب منها.
الأسئلة نفسها، وجهناها إلى شابين، بعد خروجنا من تيه المزارع. «تبغون سِكن وجن؟» يسأل الشاب بينما ينظر إلى زميله، ضاحكاً بطريقة هستيرية. يحاول أن يتأكد مرة أخرى: «هل تبحثون عن السكن؟ تريدون مناطق مسكونةً بالجن؟»، الرد بالإيجاب، ترك لصديقه الذي بدا أكثر خبرة بخبايا المنطقة، مجالاً كي يشير إلى شارع ضيق قريب منا، ويقول: «إذا دخلتم من هناك، ستجدون بيوتاً طينية على يمينكم وشمالكم، كلها مهجورة ومسكونة. واسألوا عن قرية المثيله أيضاً»، كان أكثر جدية من زميله، الذي لا يزال يضحك، قبل أن يصرخ بصوت عالٍ وبلهجة محلية بحتة، وهما يتحركان بسيارتهما: «شيلقى... اللي يدخلها يضيع ما ينلقى»!
حين تسمع أصواتاً...
محمد آل مبارك (22 عاماً)، شاب من أهل اليمامة، «تقاعد من الدراسة في المرحلة الثانوية»، بحسب قوله. محمد الذي يسكن قريباً من المثيله، تجاهلنا في بداية الأمر، حين حاولت إيقافه بينما كان سلطان يلتقط صوراً لأحد البيوت المهجورة. وصادف أن مر بنا محمد مرة ثانية عند بيوت مهجورة أخرى. هذه المرة، قرر أن يوقف سيارته، لكن بعيداً منا، ربما خوفاً أو حذراً.
الشاب - محمد - اقتنع بمشروعنا الصحافي، وقرر أن يرافقنا - كل في سيارته على حدة -ويرشدنا إلى البيوت المهجورة، وإلى «المثيله، قرية الجن التي يخشاها أهل الخرج».
كلما انتقلنا من منطقة إلى أخرى، كان محمد يحكي لنا حكاية: «هذا النخل يتحرك... لا أحد يقترب من هذه المنطقة لأن جنياً كان يظهر ويشير بيده... دفعوا لرجال كثر عشرات الألوف كي يدخلوا هذه المنازل أو يلمسوا هذا النخل، لكن أحداً لم يقبل...». الحكايات والأساطير التي يحفظها محمد، ويتناقلها أهل المنطقة، تحتاج إلى أكثر من صفحة كي تروى.
«مو انتم.. تدورون عالجن... ادخلوا هذي البيوت الشعبية مليانة جنون»، يقول محمد مازحاً، بعدما نزلنا من سيارتينا. البيت الذي أمامنا يقع على طرف القرية (على شارع معبد). بدا في حال جيدة، ومظلماً من الداخل. سألناه: «هل تملك كشافاً ضوئياً». نفى برأسه، وأضاف إلى حكاياته: «أسمع أصواتاً في الليل حين أمر من هنا. مصدرها هذه البيوت»!
كلامه هذا كفيل بإدخال الرعب في قلوبنا. هل كان يقصد ذلك؟ ظل ينظر إلينا ونحن نهم بالدخول. بدأ سلطان باقتناص الصور. ضوء السيارة يشعرنا بالأمان إلى حد ما. وسط البيت كان مكشوفاً، والقمر المكتمل يساعدنا على التحرك. تدخل غرفة وتخرج إلى الأخرى. الغبار كون تلالاً تسهل ملاحظتها في أطراف الغرف.
دقائق، ويلحق بنا محمد إلى البيت «المسكون». «لم أدخل أياً من هذه البيوت طوال حياتي، على رغم أنني أسكن بالقرب منها»، يقول، ويجزم أن أهل «السعودية» (الخرج، إذ يطلقون عليها السعودية والسيح أحياناً) يندهشون حين يعرفون أنك تسكن هنا بالقرب من هذه البيوت المسكونة. يضيف: «يعتبرون فكرة النوم وفي ذاكرتك شيئاً من صُوَر هذه القرية، والتجول في الليل متنقلاً من منزلك إلى منزل قريب أو صديق، أمر مريب. هم يتساءلون: كيف نسكن هنا؟».
يأخذ سلطان صوراً فوتوغرافية من سطح المنزل. قبل أن يرشدنا محمد إلى قرية «المثيله» الأهم، والمعروفة بـ»السِكن» والجنون.
المثيله... القرية المرعبة!
«لا احد يجرؤ من السكان على الاقتراب من القرية. بعض الرسامين والمصورين، يأتون نهاراً كي يأخذوا شيئاً من الطبيعة، وصوراً لبيوت الطين. أنتم أول من يزورها في الليل»، يظن محمد، ربما كان من بين أولئك من يبحث عن الآثار.
تدخل «المثيله». قرية صغيرة، لكنها تصلح لتصوير فيلم، منازل مأهولة بالسكان تحيط بها من الجهة الغربية، لا تبعد سوى خطوات قليلة، بينما تحيط بها من الجهات الثلاث الأخرى أرض شاسعة وخلاء. عدد البيوت فيها لا يزيد على الـ20. يقترب محمد من هوة بدت تشبه الحفرة كثيراً. «هذا ما يسمى بالجليب أو الزليب»، يقول.
يشرح الشاب: «من هنا يأخذون الماء. لا أعرف ماذا يسمونها أهل الرياض، لكنني أظن أنها جليب». رائحة الجيف تقتل الداخل إلى هذه القرية، ولن تستغرق وقتاً طويلاً لتعرف ما نوع تلك الجيف. «هذه جيف حيوانات (خرفان وغيرها) يجلبها الحصني - أو الثعلب الصغير، ويأكلها على رواق هنا من دون أن يزعجه الإنسان»، بدا الشاب وهو يقول هذه الجمل مرشداً سياحياً.
لم يستهوه تمثيل هذا الدور - المرشد السياحي - كثيراً. عزم على الغداء وأصر كثيراً، لكن إصرارنا كان أقوى. كما أنه اقتنع، حين قلنا: «سنكمل عملنا، ثم نغادر، ربما نحظى بمقابلة أو صورة جني». هذه المرة لم يعر هذا الكلام اهتماماً، إذ إنه دخل بنفسه إلى القرى التي كان يظن أنها مليئة بالجن، لكنه علق مازحاً قبل أن يغادر: «لو رآكم كبار السن صباحاً، فلن يملوا التحقيق معكم عن سبب وجودكم في المثيله، كما أنهم لن يصدقوا أنكم تبحثون عن الجن، عليكم بالبحث عن سبب مقنع، فكلامهم سيكون مزعجاً أكثر من الجن أنفسهم».
اثنان في قرية مسكونة
«الطاقة في بطاريات فلاش الكاميرا، انتهت. لن نتمكن من التقاط الصور قبل الفجر»، يقول سلطان، قبل أن يستدرك: «أعتقد أننا نملك صوراً ليلية كافية؟». الساعة الآن تشير إلى الثالثة صباحاً. ساعة إضافية واحدة، تكفي كي نتأكد إن كانت القرية مسكونة بالجن أم لا.
القهوة والشاي والتمر، التي حملها سلطان معه من بيت والدته، كانت كفيلة بهذه الساعة. والقمر المكتمل يغنينا عن أي ضوء آخر. لم نشعر بغربة المكان كثيراً، لعل دخولنا إلى كل بيوت القرية الطينية، وتفقدنا غرفها، خففا من خوفنا، لكن قلق حدوث غير المتوقع، لا يزال قابعاً فينا. كما أن الكلام عن النخل الذي يتحرك، والأصوات الصادرة من البيوت الطينية لم تفارق ذاكرتنا.
كل دقيقة تمر، نشعر بالراحة، طالما أن شيئاً لم يحدث. بدا كل شيء كرحلة كسبنا فيها هواء الطبيعة، خصوصاً وأن العاصفة الرملية انجلت منذ ساعات، ولم يعد لها أثر سوى لون السماء.
الرابعة صباحاً. سلطان يقول: «سمعت حكايات عن عيون الخرج، يقال أن الجن يسكنها. طالما أنها ليست بعيدة من هنا، لمَ لا نجرب زيارتها». بدا أكثر رصانة في حديثه، لم يعد أمر وجود الجن يعنيه، مقدار حصوله على صورٍ أجمل. لعل تجربة قرية المثيله وبيوت اليمامة المهجورة، أكدت له أن تلك الحكايات والقصص، ليس لها مكان سوى في ذاكرتنا ومخيلتنا، على رغم كل الثقاة الذين رووها.
جمعنا متاعنا، وانطلقنا إلى «العيون»، علنا نقضي فيها وقتاً قبل شروق الشمس. مقتنعين أن أهل المثيله وسواها من البيوت الطينية، هجروها لأنها غير قابلة للسكن، وآيلة للسقوط.
كورنيش عيون الخرج... سكنه الحمام وهجره الزوار بسبب الجن
< شابان بديا وكأنهما استنفدا كل طرق التسلية والترفيه. ما إن سألناهما عن «العيون»، وعلما أننا نبحث عن الجن، حتى قررا مرافقتنا.
حين اقتربنا من مدخل منطقة عيون الخرج، أوقفا سيارتهما، وأنزل الراكب زجاج النافذة، «هذا هو المدخل، ستجدان عيناً على اليمين وعينين على الشمال». لكنني، سألت: «الم تقولا أنكما ستسمران معنا، وتشربان القهوة والشاي. هل غيرتما رأيكما؟». نظر كل منهما إلى الآخر، وقال المتحدث مرة أخرى: «لا أبداً، سنذهب معكما».
ربما هو الخوف نفسه، الذي شعرنا به حين دخلنا المزارع وقرى اليمامة و«المثيله»، وشعرا به. ولعل إصرارنا قادهما إلى ما لم يفعلانه طوال حياتهما.
المكان بدا مظلماً، على رغم ضوء القمر المكتمل. لعل الأرض التي بدت أقرب إلى الألوان الداكنة جداً، لعبت دوراً في ذلك. «لم نأت إلى هنا، في هذا الوقت - الرابعة والنصف صباحاً، قبل هذه المرة»، يقول الشابان بعدما افترشنا الأرض، وقرر سلطان أن يغط في نوم، مدة قصيرة داخل السيارة، فالتصوير ليلاً من دون «فلاش» لن يكون ذا قيمة.
حسن المطيري العنزي الذي يعمل في الحرس الوطني، وماجد محمد العنزي الطالب في كلية التقنية، بدآ في سرد القصص والحكايات التي يسمعانها في الخرج عن الجن الذين يسكنون «العيون»، قرية المثيله. يقول حسن: «النخل يتحرك في المثيله. لو كنت أسكن قريباً من القرية، لانتقلت منذ زمن. لا أعرف كيف يسكن الناس هناك...»، ويقول ماجد: «عمة صديقي تزوجها جني يسكن في العيون، ولو لم يخرجه الشيخ حمود العتيبي منها، لظل متزوجاً بها طوال حياتها».
حسن وماجد لم يملا سرد القصص على شخص لم يسمع عنها، كانا يؤكدان كل قصة: «الجن الذي يظهر ليلاً ويشير بيده... الأصوات التي تصدر ليلاً من العيون...». لعل القصص هنا في «العيون» تشبه تلك التي في «المثيله».
ثقل يوم عمل ودراسة هائلة دفعهما إلى الانسحاب في الخامسة والنصف. وحدي انطلقت أتفقد المكان، أبحث عن الكهوف التي تكلما عنها. أشاهد ضوء الشمس وهو يكشف المكان في خجل. ابتسامة بدأت تبدو على كورنيش عيون الخرج الثلاث بمجرد حضور الحمام المنظم. لا شاطئ هنا ليلامس القدمين. لكن الشعور بأن هذه المنطقة كانت مكاناً للسباحة بحسب ما روى الشابان، يمسح صورة المكان المهجور والجن الذين يسكنونه، ويرسم حياة قروية جميلة.
ربما كانت العيون تشعر بالوحدة، خصوصاً أن الزوار من أهل المنطقة هجروها، إلى حد ما، وسكنها الحمام، بحسب ما يقول حسن وماجد، وانحصر الزوار غير بعض السعوديين الذين يجيئون لالتقاط الصور والاستمتاع بطابع آخر من الحياة.
«عين ضلع» تقع في الشمال ملتقى شعيب العقيمي بشعيب العين. «عين سماحة» تقع شمال عين الضلع بانحراف الى الغرب. «عين المخيسة» تقع في جنوب غربي عين ضلع، على بعد 1220 متراً. السور الحديد يسيج العيون الثلاث، ويمنع القفز تحت طائلة المسؤولية. لكن الزوار، شقوا مدخلاً في كل سور. تدخل من شق السور الحديد حيث كتب على الصخور: الكويت، والقطيف، والقصيم، والطائف... مدن كثيرة وأسماء تدل إلى أناس مروا من هنا. عادة متفشية تشوه كل جميل.
هل من مجنون يقترب من هوة العين المخيفة؟ الخوف يزول، تدريجاً. لن تجد حجراً ترميه كي تكتشف العمق قبل النظر إليه، بالصوت. تنقذف كطفل كي تنظر إلى قاع العين. لن تجد جنياً بالطبع. كل ما تراه هو أتربة وصخور بدت رطبة على رغم غياب المياه.
ضوء السيارة عنصر سيغيب في هذه اللحظة. ومعه سيغيب يوم ممتع بدأ في المثيله والبيوت الشعبية وقرى اليمامة المسكونة بـ»الجن» الصغير، وانتهى بـ»العيون» ومنظرها الخلاب. سلطان يفيق للتو، كي يمارس مهنته وهوايته التي أحبها، في التقاط الصور، خصوصاً الحمام.
لون الخوف في القرية: النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً
< بيوتٌ طينية، بعضها مهدم، وبعضها آيل للسقوط في أي لحظة. سقوفٌ انهارت، وأخرى تقاوم. وأهلها لم ينسوا قطعة أثاث واحدة. الغبار الذي هاجم مدينة الرياض وضواحيها الإثنين 22 من شباط (فبراير)، ترك اللون الأصفر الميال إلى الحمرة في السماء. هذا اللون انعكس على جدران الطين ودخل من بعض شقوقها متكسراً، صانعاً إضاءة رعب طبيعية. «القرية» تشبه تلك التي في أفلام الرعب الهوليودية.
هل أنت خائف؟ عليك بالشهيق والزفير العميقين. هل تحتاج إلى ما يذهب عنك الخوف؟ إذا كنت ستحتاج إلى ذلك هناك، فهذا يعني أنك سترى جنياً. «النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد كثيراً في ذاكرتك.
لا تخف أبداً. «لا شيء من هذا الكلام حقيقياً. كلها مجرد أساطير وحكايات، يلقيها الآباء على أبنائهم، لسبب ما. ربما كي يمنعوهم الذهاب إلى المناطق المهجورة، خوفاً من مشرد أو مخمور...»، هكذا تُمني نفسك وتُبعد منها الخوف. لكن الزميل المصور، سلطان الفهد، يسأل: «هل يتلبس الجني الإنسان؟»، حتى لو حاولت إقناعه بغير ذلك، كيف ستُقنع نفسك؟ يسأل من جديد: «لكنني سمعت وصورت عائلة من الخرج، آذى الجن أفرادها كافة، لأنهم بنوا منزلهم فوق أرض يقال إنها مقبرة! ما تعليقك على هذا؟». يسمع منك جواباً غير منطقي، يجره إلى سؤال آخر. هو - سلطان - يُمني نفسه أن تكون أجوبتك حقيقة، مثلك تماماً، لكنه لا يلبث أن يسأل ويروي من جديد. سؤال يجر إلى آخر، وحكاية تقتل وقتاً يمضي ببطء، بل أبطأ من البطء ذاته. القلق يهدّك هدّاً.
فنجان قهوة، وراءه تمرة. تارة أخرى تفكر في الشاي. المهم أن ينقضي الوقت، فلون الخوف في كل مكان من القرية، حتى اكتمال القمر يحيل الذاكرة إلى دورة في ظهور الجن، و«النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد في ذهنك.
بين «خفس دغرة» و«معازف الجن»...
الصمت سيد المكان المرعب (2-3)
ابراهيم بادي وصالح العلياني الحياة 2005/03/8
***
نحن في يوم الأربعاء الثاني من الشهر الجاري. قبل هذا التاريخ بعشرة أيام، بتنا في قرية «المثيله» ومزارع اليمامة، ننتظر أصوات الجن وبعضاً من حكاياتهم وقصصهم، كي نسردها. لكن، ما وصلنا إليه لم يتجاوز قصصاً سردها لنا السكان المجاورون لهذه المنطقة. حتى ما ذكره الزمخشري عن «الأعاريب»: «من الجن جنس صورته على نصف صورة الإنسان واسمه شق، ويعرض للمسافر إذا كان وحده وربما أهلكه...»، لم نجده هناك.
طوال ساعات الصباح الأولى، بعد منتصف الليل، في المثيله ومزارع اليمامة، كنا نتأكد بعد كل لحظة تمر، أن حكايات «جن الخرج» مجرد حكايات، مع كل الشائعات عن وجودهم هناك.
وبعد عودتنا من هناك، الثلثاء الـ23 من الشهر الفائت، التقينا الزميل المذيع في قناة المجد محمد الدخيني، وهو من أهل الخرج أصلاً، الدلم تحديداً. وروى لنا حكايات عن المنطقة المعروفة بـ»المشطّب» أو «معازف الجن» - بحسب الهمذاني المولود في 280هـ.
الدخيني يؤمن بأن الجن حقيقة، مثل معظم المسلمين، لأنهم - الجن - مذكورون في القرآن الكريم، لكنه ليس متأكداً من القصص التي يحكيها الناس عن مغامراتهم مع الجن والعفاريت، ولعله لا يصدقها.
اقترح الزميل الدخيني، أن نزور «المشطّب»، و«خفس دغرة»، وهما منطقتان في الخرج. وعرض علينا الجلوس مع الباحث والمؤرخ سعد الدريهم، الذي سيروي لنا تاريخ المنطقة، وكل ما يعرفه عن «جِنّها».
«رجل، مر على المشطب، فوجد أناساً استقبلوه وذبحوا له وأطعموه. بات عندهم، في بيوتهم، ليفيق صباحاً على صحراء قاحلة، لا بيوت ولا ناس، قبل أن يفر فزعاً مرعوباً»، يروي الدخيني من دون أن يؤكد مدى صدقية القصة، ويضيف: «كثيرة هي الحكايات التي تشبه هذه، وتسمع عنها هناك، لكنك لا تستطيع الوثوق بها». لكن الزمخشري قال أيضاً في «ربيع الأبرار»: «تقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير ورأينا خياماً وناساً ثم فقدناهم من ساعتنا يعتقدون بأنهم الجن وأن تلك خيامهم وقبابهم». هكذا حكايات تشوقك إلى زيارة المشطب، وخفس دغرة وغيرها... باحثاً عن الجن أو حقيقتهم، حتى لو عدت بـ«خفي حنين» من اليمامة، فلا مانع من أن تجرب مرة أخرى.
رحلة اليوم الأربعاء الثاني من آذار (مارس) بحثاً عن حقيقة «جن الخرج»، لم تقتصر على اثنين، فالزميل صالح العلياني شارك فيها، والشاب الموظف في احد البنوك عبدالله الشمراني استهوته الفكرة وبات الليلة مع فريق «الحياة» - إبراهيم وسلطان وصالح، في «قرية جن» أخرى. إضافة إلى أن محمد الدخيني لحق بهم صباح يوم الخميس.
الشبان اختاروا مكاناً خلف قرية مهجورة في سفح جبل، قريباً من عين، وبعيداً من المناطق المأهولة بالسكان، ينتظرون وينتظرون... كل ذلك بعد منتصف الليل.
قرية مهجورة بعض غرفها نظيفة!..
العاشرة مساءً، في «زميقة» البلدة الصغيرة التي تقع بين «الدلم» و«خفس دغرة». خمسة أو ستة شبان تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ17، توقفت أمامهم سيارة دفع رباعي. انفرجت نافذة السيارة الخلفية المتشحة بالسواد، ليقول صالح: هل تعرفون قرية اسمها المشطّب؟ رد أحدهم متهكماً بلهجته المحلية: «لا... نعرف المليونير».
أثار كلام الشاب الضحك، قبل أن يقطعه سيارة سيدان توقفت ليطل من نافذتها رجل في عقده الرابع وسمته الشمس بسمرة تميز أبناء البادية. كان معه طفلان لا يتعدى عمر أكبرهما الثالثة. سأله إبراهيم: إلى أين يوصل هذا الطريق؟ قال: إلى «عين الخفس»، «خفس دغرة». استدرك إبراهيم: هل تعرف قرية يسكن فيها الجن؟
لا يزال الرجل محافظاً على ابتسامته، إلا أن ملامح الاستغراب بدت على وجهه وجوه الشبان الذين يقفون حول السيارة «بتحصلونهم... في الخفس»، يقول بابتسامة غريبة.
وصف الطريق إلى «خفس دغرة» بدقة، وروى: «أسمع أصواتاً في الليل، حيث أسكن، أصوات رقص ولعب وهرج وجلبة». يؤكد أنها أصوات الجن. سأله صالح عن «المشطّب»؟ فقال: «الشاطب... تقع في الأفلاج. 200 كيلومتر من موقعنا». قلنا له «المشطب»! أكد أنه لم يسمع عنها من قبل.
قبل أن نتحرك قال بعامية بحتة: «سوقوا بشويش... لا تسرعون عشان ما يوذونكم»!
طريق القرية المهجورة
البوصلة تشير إلى 38 ْ جنوباً. الزميل محمد الدخيني أكد لنا عبر الهاتف المحمول أن الشبان صغار السن، لا يعرفون المشطب. وصفه لطريق خفس دغرة توافق مع وصف الرجل «سأصل عند الثانية صباحاً، منطقة عين خفس دغرة بعيدة من المناطق المأهولة بالسكان، وفيها قرية مهجورة قرب العين... يمكنكم المكوث فيها، حتى أصل إليكم وننطلق إلى المشطب»، يقول الدخيني.
بعد نقاشات، اتفقنا على التوجه إلى «خفس دغرة»، لعلنا نظفر فيها بشيء. إلى هذا الوقت، لم يكن الشعور بالرعب موجوداً، ولعل ما أكد غياب الرعب، المواضيع التي تناولناها طوال الرحلة. كانت بعيدة كل البعد من قصص الجن، سوى مخيلة صالح عن «أبناء الجنية» أو «السبع القرين» الذين يقال إنهم أبناء جنية تزوجت بأبيهم بعد إعجاب استمر مدة من الزمان...
أكثر من فأر، وجرذ، وقنفذ، كانوا يعبرون أمام الطريق! بحسب قصص الجن وحكاياتهم المشهورة، فـ«الجني يظهر في بعض الأحيان متلبساً جسد حيوان»! هل يمكن أن تكون هذه الحيوانات جناً؟ وهل يمكن ان تكون هذه الحيوانات الصغيرة، هي تلك التي حدثنا عنها الرجل؟
على أي حال، كنا نقود بسرعة متوسطة، لم نصب أي حيوانات منها بأذى، كما أننا لم نشغل بالنا كثيراً بهذا الكلام، ربما كان الرعب في القرية أكثر.
بداية الرعب
قطعنا 20 كيلومتراً، وصلنا إلى جسر صغير سمح للسيارات بالعبور من فوق مياه السيول بعد أسبوع حافل بالمطر، توقفنا، وترجلنا من السيارة. سلطان يحاول التقاط بعض الصور الفوتوغرافية للمكان الذي أضفى عليه النور الأحمر لمكابح السيارة مسحة من الجمال، خصوصاً أن الظلام دامس. على مسافة ليست بالقريبة بدت أضواء إحدى السيارات تشير إلى اقترابها كل لحظة. السيارة كانت تسير بسرعة، إلى أن ضغط إبراهيم على زر ضوء الخطر المتقطع (الفلاشر). بدا تردد السائق في الاقتراب واضحاً على سرعة السيارة، فهي تسير ببطء تارة وتقف تارة أخرى. أشعلنا بقية مصابيح السيارة، كي يتمكن سائقها من رؤيتنا بوضوح. أخيراً استجمع السائق قواه وتجاوزنا ملقياً التحية، لكنه قرر بعد 10 أمتار فقط أن يعود من حيث جاء.
بعد أن اقتنع سلطان أن المكان ليس مناسباً للتصوير، سرنا بالسيارة إلى القرية التي لم تكن بعيدة من الوادي - كيلومتر أو اثنان.
توقفنا على الطريق الذي قسم القرية نصفين من المباني الطينية المتهدمة، وشبه المتهدمة. وجهنا إضاءة السيارة إلى الجزء الذي يقع إلى يسار الطريق من القرية. كان الصمت سيد المكان. لم يخترق سيادته صوت السيارة وأصوات حديثنا، ووقع أقدامنا الباحثة في أرجاء القرية عن مفاجأة من نوع مخيف. «فلاش» الكاميرا كشف مساحة أكبر من الطين، كلما أومض. تجولنا في النصف الذي يقع على يمين الطريق، فالنصف الآخر بدا أكثر رعباً، بمنازله الكثيرة.
دخلنا الأحواش والغرف. سمعنا صوتاً قوياً لطبيعة تغلبت على إنسان ذلك المكان. طبيعة جعلت من حاضرته القديمة التي كانت تعج بالحياة والقوة وأصوات الأطفال، حكايا أماسي يتناقلها أصحابها. طبيعة جعلت من بيوته الطينية مسرحاً لعوامل التعرية والحيوانات المشردة، والأشباح التي جئنا نبحث عنها!
مغامرات فوق الطين
بعد أن تركنا قرية الطين، تجاوزتنا سيارة بها شابان، استوقفناهما من دون أن ينزل أحدنا من سيارته. دارت بيننا أسئلة عن الجن و«المشطب» و«عين الخفس». أنكروا وجود العين والمشطب. أنكرا معرفتهما بنهاية هذا الطريق وإلى أي مكان يوصل. تركانا، وغير بعيد منا استدارت سيارتهما عائدة إلى حيث أتت. واصلنا السير وتجاوزنا في طريقنا إلى هذا المكان، مزرعة للدواجن ملأت الأرض والسماء بروائح كريهة، ما دفع عبدالله إلى التعليق: «لن يسكن الجن في مكان تفوح منه هذه الرائحة القاتلة».
انتهى بنا الطريق المسفلت إلى واد رسمت أشعة القمر بعض التعرجات على وجه المياه القليلة فيه. بعد أن التقطنا بعض الصور للوادي والماء والقمر قررنا عبوره إلى الضفة الأخرى، فسيارتنا ذات الدفع الرباعي مؤهلة لذلك.
دخلنا الوادي باحثين عن طريق أفضل للعبور، متفادين الحفر. ربما الشعور بالتيه، جعلنا نقرر العودة. لكن، الوحل والطين تمسكا بعجلات السيارة، التي بدأت تغوص في الوادي. ترجل أحد الشبان... وبدأ في توجيه السائق الذي نفذها ببراعةٍ جعلته يتباهي بأنه قائد ماهر - (طارة)، بعد خروجنا من هذه الورطة. لم يكد يكمل تباهيه، حتى أخذت السيارة في الزحف والانزلاق بعجلاتها الخلفية. لكن السائق أصر على أنه «طارة» حين «دعس» على دواسة البنزين، وخرجت السيارة إلى الضفة التي إلى جانب الطريق.
عدنا إلى مكان القرية. سرنا في طريق وعرة، محاولين الالتفاف حولها. ثم ترجلنا. دخلنا بيوتها التي بلغ عددها أكثر من 40 بيتاً.
استمر سلطان، كعادته، في ممارسة هوايته ومهنته في التقاط الصور للقرية. إبراهيم وعبدالله أثارت الغرف النظيفة جداً دهشتهما، خصوصاً وأن سقوفها لا تزال في حال جيدة. ذهب صالح راجلاً يبحث عن العين المعروفة، وربما بحثاً عن «الجن» أيضاً، بقربها.
حكاية الجن... وحقيقتهم!
تمر سيارة بيضاء، فيها مجموعة شبان (ثلاثة او أربعة). لا يبدو انهم يقصدون مكاناً بعينه. هم يتجولون لا اكثر، مثل أترابهم. ينتبهون إلى فلاش كاميرا سلطان. سرعة سيارتهم تنخفض. يصيح احدهم بعد أن يخرج رأسه من نافذة السيارة، بجمل غير مفهومة. نرد نحن من القرية، فيصيح مرة أخرى ضاحكاً. ربما قال احدهم: يا جني... ولعلهم سيسردون قصة أصوات وأضواء سمعوها ورأوها بالقرب من القرية المهجورة، وسيتناقل الناس الحكاية، وسيضيف من يضيف عليها بعض الأحداث مثل: «دخلوا القرية ورأوا فيها حركة وجنوناً...».
بعد أن نضحك كثيراً على الشبان الذين عادوا مرة أخرى، لكن من دون أن يجرؤوا على النزول من السيارة، نقرر أن نجلس. نأكل مما أعدته لنا زوجة صالح ووالدة سلطان، ونشرب قليلاً من الشاي والقهوة. افترشنا الأرض، في سفح الجبل خلف القرية، قريباً من «العين» التي وجدها صالح.
تكلمنا في كل شيء، حتى الجن... النكت استحوذت على نسبة كبيرة من الكلام. إبراهيم وسلطان تناوبا على سردها. وطالما أن الهدوء سائد في المنطقة، فصوت أي سيارة تمر قريباً يبدو كصوت طائرة. لم يزد عدد السيارات عن عشرة على أي حال. ولم نكن لنعرف هدف هذه السيارات، إذ يصعب رؤيتها من المكان الذي نجلس فيه، لاسيما أن بيوت القرية تحجب الشارع عن أعيننا. ربما كان معظمها - السيارات - يقصد مزرعة الدواجن، التي تبعد نحو كيلومترين من المكان الذي نجلس فيه، وبعضها لشبان يبحثون عن قصص يسردونها لذويهم، كجني يشير بيده أو ضوء يشبه الفلاش، وأصوات تصدر من القرية.
ننتظر وننتظر وننتظر.... «لعل الجن استأنسوا بنكتنا ولم يرغبوا في إيذائنا»، يقول عبدالله. «ألا زلت تصدق بذلك؟» إبراهيم يرد، قبل أن يصر: «لو كان هناك جن، لكانوا أمامنا الآن... نحن في قرية مهجورة، في سفح الجبل، قرب العين، بعد منتصف الليل، والمناطق المأهولة تبعد أكثر من 20 كيلومتراً. إذاً فهذا أكثر مكان يناسب ظهورهم بحسب الأقاويل والحكايات... أين هم؟ لمَ لم نسمع صوتاً أيضاً!»
الساعة الخامسة صباحاً الآن، بعد قليل يصل الزميل محمد الدخيني، الذي اتصل علينا مراراً، لكن هواتفنا المحمولة كانت خارج منطقة الاتصال. الدخيني سيقودنا إلى الباحث والمؤرخ سعد الدريهم، كي يكشف لنا حكاية «جن الخرج»!
نوبات ذعرٍ في عالم «الجن» الذي لا نراه...
هل تتحول المغامرة في عالم الجن، إلى فاجعة؟ حين وصل الزميل الدخيني تجولنا في جبال «خفس دغرة»، قبل شروق الشمس بدقائق. سلطان كان يخاف على الكاميرا من التلف، لذلك تحرك ببطء وترو. وصل الجميع إلى قمة الجبل: إبراهيم وصالح ومحمد وعبدالله، لكن سلطان لا يزال في منتصف الجبل بين المغارات يلتقط صوراً. شعرنا بغيابه. بدأت أصواتنا تعلو: سلطان... لكن من دون جدوى. الصراخ لا يفيد، كل منا يفكر! هل يعقل ان الجن اختطفوا سلطان؟ تبدأ باستخدام صوتك بأعلى درجاته. لا فائدة، سلطان لا يجيب.
لو تدحرج، لرأينا جسده في مكان هنا أو هناك، أو لسمعنا صوت دحرجته على الأقل. هناك من حاول النزول مرة أخرى بحثاً عن سلطان. دام غيابه نحو سبع دقائق، ليظهر من خلف صخرة والكاميرا تغطي وجهه، قبل أن يزيحها لتظهر ابتسامته. نال ما نال من السخط، والغضب. ربما كان يقضي حاجة، لكنه أثار الرعب في قلوبنا للحظات.
الجبل الذي اختطف سلطان لدقائق، كان جميلاً في الليل. تسلقناه، قبل أن يصل الزميل الدخيني (الساعة الثالثة صباحاً). لم نجد جناً على الأرض، ربما قررنا البحث عنهم في الجبل. الجبل الذي بدا كأنه عالم منعزل. لم نجد كلمات مثل: ذكريات... أو ما يشير إلى مرور المخربين من هنا. المكان يشبه عالماً آخر، بكهوفه ومغاراته. تشعر للحظة بنوبات ذعر، خصوصاً أن الماء غطى كل هوة، فلا نستطيع تقدير عمقها. نتسلق ونتسلق ونتسلق، إلى أنْ نشعر أنّ الطريق مغلق.
«الجن في قلب هذا الجبل. يعيشون في عالم يشبه عالمنا تماماً، لا نراه. يأكلون ويشربون، ويخترعون... ينزلون إلى القرية، كي يجلسوا في الغرف النظيفة. ينظفونها، ويحافظون على سلامة سقوفها. ربما ينتقلون إليها في الصيف، ويعودون إلى الجبل في الشتاء». هذا خيال، يرسمه أي منا حين يكون في مكان مثل تلك القرية المهجورة، وربما ينقله إلى غيره وتسري الإشاعات عن الجن وحكاياتهم!
لكن، هل ينتهي الناس من سرد الخيال؟ أم تبقى هذه القصص ساحة لزرع الرعب في أطراف من تسول له نفسه زيارة مثل هذه الأماكن أو الاقتراب منها؟
كيف يعيش الجن في هذه الأزمنة؟ «لعلهم - الجن - شعروا بنوبات ذعر، حين وصلنا بكشافاتنا الضوئية، وكاميرا سلطان، وسيارتنا الـ»جيب». ربما كان الجن مخلوقات ضعيفة تخشى الإنسان، وتختفي منه حين تراه. لكن، لماذا يخافها الإنسان، طالما هي تخافه؟
الإنسان يخاف من المجهول، يحكي عنه كثيراً. ربما كان الجن أيضاً يخاف من المجهول، ويحكي عنه كثيراً. وكلاهما لا يقترب من الآخر! ربما وربما وربما... يمكنك أن تحكي ما تشاء عن المجهول، فلن يكتشف الحقيقة أحد!
سمع أصوات الجن ويعرف مناطق سكنهم... الدريهم يكشف حقيقة «جن الخرج» ويروي تاريخ المحافظة (3-3)
ابراهيم بادي وصالح العلياني الحياة 2005/03/9
هل تنتهي الحكاية؟ الباحث سعد الدريهم الذي يسكن في الدلم بدا أنه كشف حقيقة «جن الخرج». ربما من وجهة نظره. هو سيروي عن الأصوات وعن تجسد الجن وتلبسهم الإنسان. وسيروي عن «معازف الجن» التي كتب عنها الهمذاني قبل أكثر من ألف عام. لكن، الحديث عن المجهول، طويل وطويل وطويل... لن تكفِ صفحات ثلاث في سد رغباتنا البحث عن الغيبيات.
الاتصالات الهاتفية بدأت بعد أول حلقة نشرت عن «المثيله». مناطق المملكة الشاسعة وقراها مليئة بحكايات و«حواديت» الجدات وكبار السن عن الجن. والشبان يروون مغامراتهم مع الجن أيضاً.
«المثيله» و«خفس دغرة» و«المشطب»، ليست القرى المهجورة الوحيدة، التي يمكن أن تسكنها المخلوقات المجهولة بالنسبة إلينا. وليست القرى الوحيدة التي يسود فيها الصمت ويغيب عنها الإنسان والوحوش البرية والحيوانات الضعيفة.
لكن، فريق «الحياة» زاروا قريتين مهجورتين. باتوا في كل قرية ليلة كاملة. كتبوا عن الخوف والرعب في زواياها وألوانها. لم يسمعوا صوتاً أو يلحظوا حركة أو جسداً غريباً فيها.
عالم الجن لا نراه... لكنه موجود! سيروي عنه الكبير والصغير، طالما أنه مجهول. وسيتصل كثيرون يؤكدون وجوده في منطقة هنا أو هناك. وكثيرون يخافون هذا العالم. لكن، ألا يمكن أن يكون الجن هو من يخاف الإنسان؟ هل يحيا كما نحيا: يأكل ويشرب ويتكلم وينام في الليل ويستيقظ في الصباح؟ وهل يشبه الجن في أميركا أو اسرائيل الجن الذي يسكن السعودية والدول العربية؟
رجل، يتصل بالصحيفة ويزعم انه يعرف إنساناً يكلم الجن، ويعرف أن هناك جناً أسلم بعد أن أقنعهم الإنسان نفسه الذي يسكن الخرج! يقول: «ستسمعونهم بأنفسكم... كل ما عليكم هو زيارته»!
رجل آخر، يقول أن منطقته مليئة بهم، وأنه يراهم. تشعر بالملل من كل تلك الحكايات، لكن ذلك لا يمنعك من التفكير في المحاولة مرة أخرى في المستقبل، علك تجد الحقيقة.
الساعة الآن السابعة صباحاً، في يوم الخميس الماضي. وصلنا إلى منزل سعد الدريهم. الزميل محمد الدخيني من قناة المجد، قادنا إلى منزله. الرجل أصر علينا أن نتناول الغداء معه، وحين اعتذرنا منه، مبررين بمكوثنا طيلة الليل في خفس دغرة، طلب تحديد موعد آخر، لأنه لن يقبل أي أعذار. لكن كل ذلك، لم يمنعه من تقديم وجبة الإفطار الشهية التي سدت جوعنا طوال الليل. كان كريماً جداً. ابتسم حين سمع قصتنا ومغامرتنا تلك، على رغم أنه أبدى امتعاضه، لأننا وصلنا الخرج ليلاً ولم نزره في مزرعته.
وبينما كان ابنه يصب لنا الشاي والقهوة، ويقدم لنا العصير. كنا نتناوب على طرح الأسئلة عليه، على رغم أن النعاس بدأ في التسلل إلى بعضنا. الزميل الدخيني شاركنا في طرح الأسئلة، ربما كان يبحث مثلنا عن إجابات.
بدأ الدريهم يحكي ويحكي ويحكي عن الجن وتاريخ المحافظة....
< يروي سعد الدريهم قصة حقيقية، منذ نحو 50 عاماً: «كنت في الصف السادس الابتدائي. خرجت وزملائي (خمسة او ستة منهم)، ليلاً نصيد الجراد. وإلى جانب شجرة كبيرة، سمعنا وقع نزول أحدهم من فوق الشجرة. لم نره لكن صوت نزوله، كان واضحاً. ومن على شجرة أخرى سمعنا صوت أحدهم يقول: هبوا يا كلاب. لا زلت أحفظها».
الدريهم وزملاؤه لم يثنهم شيء عن طعم الجراد اللذيذ، بالنسبة إليهم. انطلقوا إلى مكان آخر. لكن، أصوات الجن لحقتهم، حيث ذهبوا. «بعد لحظات من ابتعادنا عن تلك الأشجار، سمعنا أصواتاً وجلبةً وصياحاً، ما دفعنا إلى العودة إلى منازلنا».
يقول الدريهم: «من وجهة نظري، صوت الجن حقيقة، وإن صعب علينا إدراك أصوات هذه المخلوقات. لكن، ظهورهم والجلوس معهم أمر مستحيل، على رغم كل الحكايات والأساطير والخرافات التي تروى». ويستشهد الدريهم على حقيقة أصوات الجن، بما ذكر في التاريخ عن «المشطب» أو منطقة «معازف الجن» وغيرها من الأماكن الكثيرة.
> ينقل الشبان قصصاً كثيرة حين يزورون المناطق المهجورة، أو يخيمون في الوديان والبراري، ألا تحفظ بعضاً من هذه القصص؟
- لا تتجاوز قصص الشبان الخيال، وحب إبراز مغامراتهم. لكن معظم الثقاة من كبار السن الذين حفظوا قصصاً، ماتوا. ثم إن كلمة جن «سلمك الله» تحتاج إلى هدوء وتعب بعد تعب. كبار السن حين يخرجون في ساعات الصباح الاولى بحثاً عن الرزق... منهم من يجمع الأعلاف، أو بدوي يرعى، خصوصاً إذا كان وحيداً، يتراءى له ويسمع جلبة وأصواتاً، فيسمي ويذكر الله، حتى يشعر بالأمان.
كما أن الجن حذر أيضاً مثل الإنسان، ولعله يخافه. ولم يثبت أن رآه أحد، حتى شرعاً، باستثناء بعض الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعض الصحابة. لكن، سماع أصواتهم أو عزفهم، مثبت في التاريخ، من دون اثبات رؤية أجسادهم أو وصف أشكالهم. وتذكر بعض الروايات أنهم يظهرون على شكل حيوان، ربما يتلبس في حيوانات! لكن تلبسه الإنسان أو دخـوله جسده والكلام بلسانه، أمر مختلف عليه بين علماء الاسلام.
وهناك حكايات كثيرة، عن أناس دخلوا تحت الأرض وحاكمهم الجن، وغيرها... لكن كل تلك القصص لا يقبلها عاقل، ولم تثبت شرعاً.
> هل تعرف قصص أناس تأذوا من الجن في المنطقة أو آخرين هجّرهم الجنُ من منازلهم؟
- بحسب ما علمنا في الشرع ومن روايات قديمة، أن من يؤذي الجن يؤذوه، ربما كان دفاعاً عن أنفسهم، ظناً منهم أن هذا البشري يود إيذاءهم. كأن تضربهم بشيء - من دون أن تعرف طبعاً، او تسكب عليهم ماءً حاراً من دون أن تسمي الله أو تذكره. وأذاهم عرف في المجتمع والإسلام بمس الجن، لكن ذلك لا يعني أنهم يظهرون ويتجسدون ويتلبسون الإنسان...
أما إن كان الجن هجرواً أناساً في المنطقة من منازلهم، فهذا لم يحصل من قبل، ولم ترد حكاية عن أحد ترك منزله بسبب جني. والمعروف أن الجن يخافون الإنس ولا يسكنون مناطق هم فيها.
وأذكر أن رجلاً كبيراً في السن اسمه محمد - تحتفظ «الحياة» باسمه كاملاً، كان يدخل مزرعتنا في الدلم ويخلع ملابسه كاملة ويسبح في «البركة»، ثم يخرج ويترك المزرعة. آبائي وأجدادي كانوا يعلمون أنه ممسوس من الجن، لذلك لم يؤذوه أو يوبخوه بسبب فعله، وهو كذلك لا يؤذيك طالما لم تقترب منه.
> «المثيله» و«خفس دغرة»، قريتان مهجروتان، زرناها بحثاً عن الجن ولم نجد شيئاً، ما تاريخ المنطقتين؟
- «المـثيله» حـي مـن أحـياء قـرية اليـمامـة، في وسط المـزارع، تركـها أهـلها لأن بيـوتها قـديمة وآيلـة إلى السقـوط. ويسـكن حـولها بعـض أصـحاب المـزارع هـناك مـمن بنى بيوتاً حديثة، أو لا تزال مبانيه القديمة متماسكة.
أما «خفس دغرة» فلا يسكنها أحد، سوى قلة يعملون في مزارع قريبة من هناك - كيلومترين تقريباً. بنيت قرية خفس دغرة، كسكن عمال في عهد الملك عبدالعزيز، وستزرع المناطق حول عيون الخفس حينما شعر الناس بقرب الحرب العالمية الثانية. وبما أن الحرب ستندلع، فمن الصعب استيراد القمح والمواد الغذائية. فأمر الملك وزير المال في ذلك الوقت - إذا لم تخن الذاكرة، عبدالله السليمان الذي استغل وجود عينين في خفس دغرة، وعمل على مشروع الخرج الزراعي.
هذا المشروع أمن المملكة بالمواد الزراعية: قمح، وخضروات، وفواكه والبان.
ومع نضوب الماء من العين، هجرت المنطقة، وتهدمت بيوتها، ولم يعد يزرها أحد إلا قلة من أهالي المزارع هناك.
> مزرعتك قريبة من منطقة «خفس دغرة»، وتزور المنطقة يومياً من الصباح إلى الثامنة مساءً، ألم تسمع صوتاً أو ترى جنياً مرة واحدة على الأقل؟
- يبتسم ويقول بلهجته العامية: «ما عاينت لا جن ولا غيرهم، حنا يا وليدي ناس نسمي الله ونذكره، ونطلب رزقه، والجن ما يجينا»!
لم يشأ العم سعد رواية تلك القصص المثيرة عن الجن، والتي يحفظها كثيرون. ربما لأنه يعلم أن كلامه هنا للتوثيق ولكشف الحقيقة، لذلك قرر أن يبتعد عما لا يمكن توثيقه، على رغم إصرار الزميل الدخيني.
على أي حال، هو لم ينف وجودهم، وأكد أن لهم أصواتاً، لكنه عد كل القصص والحكايات عن رؤية الجن ووصفهم «مجرد تهيؤات وخيال، ربما كان للجن انفسهم دور فيها، إذ يوسوسون للإنسان كما يوسوس الشيطان». وضحك العم سعد مؤيداً حال ما قاله المثل
للوهلة الأولى ينتابك شعور بالخوف، حين تفكر في الذهاب إليها وحيداً. «أهلها هجروها، بسبب الجن. تركوا منازلهم خاوية. يعرف حكايتها كل من في الخرج، وقليل من سكان الرياض سمعوا عنها».
مرة أخرى تفكر في الذهاب، تتردد. كيف ستصل إليها؟ وإذا بِت فيها ليلتك، هل يؤذيك واحد من الجن الذين ملأت أساطيرهم وحكاياتهم المكان وما جاوره؟ هل فعلاً هجرَ القريةَ أهلُها، لأن الجن يسكنها؟ وإذا لم يكن ذلك صحيحاً، فلمَ هجروها إذاً؟ وما نوع الأذى الذي يسببه «الجني»؟...
تقفز كل هذه الأسئلة وغيرها دفعة واحدة إلى ذهنك. لكنك لن تتيقن من إجابة أي منها، قبل أن تقضي على الأقل نصف يوم (من الثامنة مساءً، إلى الثامنة صباحاً) في المنطقة. تدخل القرية المهجورة بعد منتصف الليل، على رغم استهجان سكان القرية المجاورة واستغرابهم. «تبحثون عن الجن؟!»، جملة تخرج مع نظرة خوف وتساؤل، يتبعها تجاهل في معظم الأحيان!
تتجول في بيوتها، مع الزميل المصور سلطان الفهد، عله يلتقط صورة عفريت أو جني هنا أو هناك، ولعلك تُجري مقابلة صحافية مع أحدهم. الأمر ليس مزحة، فالمكان مخيف وموحش، والرعب والخوف موجودان في كل زوايا القرية وألوانها.
«سمعت أصواتاً في الليل، مصدرها هذه البيوت الشعبية. والنخل في هذه القرية، يتحرك»! هكذا حكايات كفيلة برمي الرعب في قلوب الشجعان. المخيلة تصنع هذا الرعب، فكل قصص الجن وحكاياته التي سمعتها وأنت صغير، تحضر بأسرع من البرق، وتتجسد في رأسك.
لم نَخف من شيءٍ مقدار خوفنا من المجهول الذي تصنعه مخيلتنا. ولا شيء يُرعبنا كما يفعل الوسواس، فحضور المجهول «متوقع» في كل لحظة، وتوقع حضوره، خوف في حد ذاته؟
الخوف لن يختلف حين تعرف أن اسم القرية «المثيله» وليس «أم غريب». ما الفرق، حتى لو كانت «أم الجنون»؟
بالتأكيد ربما زاد هذا الخوف، في حال سمعت جملةً مثل: «المَزَارِع التي تحوط القرية، مسكونة بالجن أيضاً»! لكن، كل ذلك لم يمنع من افتراشنا الأرض وشرب القهوة والشاي داخل القرية المهجورة، وانتظار المجهول من بعد منتصف الليل إلى الرابعة صباحاً....
< دخلنا محافظة الخرج، ووصلنا إلى قرية اليمامة، بحسب الوصف. الساعة الآن: العاشرة ليلاً. تجولنا في اليمامة بحثاً عمن يعرف بعض حكايات «أم غريب»، وما يدور فيها. الإشارة الضوئية بدت المكان الأفضل كي تستفسر، تقف عندها، تفتح زجاج السيارة، تسأل: «هل تعرف قرية أم غريب؟»، الرد واحد لا يختلف: «لا أعرفها... لم أسمع بها من قبل... أين تقع؟!».
تستدرك: «قريةٌ هجرَها أهلُها، بسبب الجن... نبحث عن قرية يسكنها الجن». هذه الجمل، بدت أكثر فاعلية وتأثيراً. «تدوّرون عن الجن!»، يقول شاب بلهجته المحلية، ويتبع جملته تلك بضحكة، ثم نظرة اخترقتنا، قبل أن يرفع زجاج سيارته، معلناً تجاهلنا.
الشاب العشريني تجاوب معنا على الأقل، بجملته وضحكته، لكن رجلاً مسناً حمل كثيراً من الحطب في «حوض» سيارته «الونيت»، انطلق بسيارته متجاهلاً الإشارة الضوئية أيضاً، ما ان سمع أسئلتنا، تحديداً: «هل تعرف قرية يسكنها الجن، قريبة من هنا؟».
الساعة تشير إلى منتصف الليل. لم يهتم أحد بكلامنا أو أسئلتنا، على رغم أن معظم السكان بدوا بشوشين ومرحبين، خصوصاً حين يعرفون أننا زوار، فإن هذا الترحيب يتحول بسرعة إلى استغراب وتجاهل، كلما وصل الأمر إلى الجن.
شبان يقفون عند محطة بنزين، لم يستغربوا أبداً، ربما لم يرغبوا في أن يبدوا استغرابهم. أكبرهم سناً يرد بثقة: «لم نسمع عن قرية اسمها أم غريب، لكن إن كنتم تبحثون عن الجن، فمزارع اليمامة كلها مسكونة بهم. وبين المزارع ستجدون بيوتاً طينية مليئة بهم أيضاً». يشرح لنا الشاب بعدما نزل من سيارته الجيب، كيف نصل إلى المزارع.
تيه في مزارع الجن
انطلقنا بين تلك المزارع. الطريق معبد. لكن، الطرق بدت تشبه المتاهة. ساعة من الوقت استغرقَنا، التنقل في التيه. المفارق كثيرة. والمزارع تشبه بعضها. سلطان لم يضع وقتاً، كلما أعجبه منظر طلب إيقاف السيارة كي يلتقط صوراً، كما أنه حاول جاهداً طرق أبواب بعض المزارع علنا نجد من يرشدنا إلى «أم غريب»، لكن من دون جدوى إذ لم يجبنا أحد.
لم ننس تضمين الأبواب، طالما نحن داخل السيارة. إضافة إلى أنني كنت أراقب المكان في الوقت الذي كان فيه الفهد يلتقط صوراً. بعض السيارات كانت تغير طريقها أو تعود أدراجها، حين يلمح أصحابها ضوء سيارتنا من بعيد. ربما كان عدد تلك السيارات أربع، إضافة إلى سيارة أمن، انعطفت هي الأخرى من دون أن يسألنا من فيها عن سبب وجودنا والتقاطنا الصور.
رجل الأمن لم يبد استغرابه هو الآخر، بعد أن أوقفناه، لكن بطاقتينا الصحافيتين حلتا الموضوع. «لم أسمع بقرية بهذا الاسم من قبل، لكنني أظن أن الشديدة معروفة بذلك»، يقول وينصحنا بعدم الاقتراب من الشديدة، كي لا نثير المشكلات مع أهلها، أو من يسكن بالقرب منها.
الأسئلة نفسها، وجهناها إلى شابين، بعد خروجنا من تيه المزارع. «تبغون سِكن وجن؟» يسأل الشاب بينما ينظر إلى زميله، ضاحكاً بطريقة هستيرية. يحاول أن يتأكد مرة أخرى: «هل تبحثون عن السكن؟ تريدون مناطق مسكونةً بالجن؟»، الرد بالإيجاب، ترك لصديقه الذي بدا أكثر خبرة بخبايا المنطقة، مجالاً كي يشير إلى شارع ضيق قريب منا، ويقول: «إذا دخلتم من هناك، ستجدون بيوتاً طينية على يمينكم وشمالكم، كلها مهجورة ومسكونة. واسألوا عن قرية المثيله أيضاً»، كان أكثر جدية من زميله، الذي لا يزال يضحك، قبل أن يصرخ بصوت عالٍ وبلهجة محلية بحتة، وهما يتحركان بسيارتهما: «شيلقى... اللي يدخلها يضيع ما ينلقى»!
حين تسمع أصواتاً...
محمد آل مبارك (22 عاماً)، شاب من أهل اليمامة، «تقاعد من الدراسة في المرحلة الثانوية»، بحسب قوله. محمد الذي يسكن قريباً من المثيله، تجاهلنا في بداية الأمر، حين حاولت إيقافه بينما كان سلطان يلتقط صوراً لأحد البيوت المهجورة. وصادف أن مر بنا محمد مرة ثانية عند بيوت مهجورة أخرى. هذه المرة، قرر أن يوقف سيارته، لكن بعيداً منا، ربما خوفاً أو حذراً.
الشاب - محمد - اقتنع بمشروعنا الصحافي، وقرر أن يرافقنا - كل في سيارته على حدة -ويرشدنا إلى البيوت المهجورة، وإلى «المثيله، قرية الجن التي يخشاها أهل الخرج».
كلما انتقلنا من منطقة إلى أخرى، كان محمد يحكي لنا حكاية: «هذا النخل يتحرك... لا أحد يقترب من هذه المنطقة لأن جنياً كان يظهر ويشير بيده... دفعوا لرجال كثر عشرات الألوف كي يدخلوا هذه المنازل أو يلمسوا هذا النخل، لكن أحداً لم يقبل...». الحكايات والأساطير التي يحفظها محمد، ويتناقلها أهل المنطقة، تحتاج إلى أكثر من صفحة كي تروى.
«مو انتم.. تدورون عالجن... ادخلوا هذي البيوت الشعبية مليانة جنون»، يقول محمد مازحاً، بعدما نزلنا من سيارتينا. البيت الذي أمامنا يقع على طرف القرية (على شارع معبد). بدا في حال جيدة، ومظلماً من الداخل. سألناه: «هل تملك كشافاً ضوئياً». نفى برأسه، وأضاف إلى حكاياته: «أسمع أصواتاً في الليل حين أمر من هنا. مصدرها هذه البيوت»!
كلامه هذا كفيل بإدخال الرعب في قلوبنا. هل كان يقصد ذلك؟ ظل ينظر إلينا ونحن نهم بالدخول. بدأ سلطان باقتناص الصور. ضوء السيارة يشعرنا بالأمان إلى حد ما. وسط البيت كان مكشوفاً، والقمر المكتمل يساعدنا على التحرك. تدخل غرفة وتخرج إلى الأخرى. الغبار كون تلالاً تسهل ملاحظتها في أطراف الغرف.
دقائق، ويلحق بنا محمد إلى البيت «المسكون». «لم أدخل أياً من هذه البيوت طوال حياتي، على رغم أنني أسكن بالقرب منها»، يقول، ويجزم أن أهل «السعودية» (الخرج، إذ يطلقون عليها السعودية والسيح أحياناً) يندهشون حين يعرفون أنك تسكن هنا بالقرب من هذه البيوت المسكونة. يضيف: «يعتبرون فكرة النوم وفي ذاكرتك شيئاً من صُوَر هذه القرية، والتجول في الليل متنقلاً من منزلك إلى منزل قريب أو صديق، أمر مريب. هم يتساءلون: كيف نسكن هنا؟».
يأخذ سلطان صوراً فوتوغرافية من سطح المنزل. قبل أن يرشدنا محمد إلى قرية «المثيله» الأهم، والمعروفة بـ»السِكن» والجنون.
المثيله... القرية المرعبة!
«لا احد يجرؤ من السكان على الاقتراب من القرية. بعض الرسامين والمصورين، يأتون نهاراً كي يأخذوا شيئاً من الطبيعة، وصوراً لبيوت الطين. أنتم أول من يزورها في الليل»، يظن محمد، ربما كان من بين أولئك من يبحث عن الآثار.
تدخل «المثيله». قرية صغيرة، لكنها تصلح لتصوير فيلم، منازل مأهولة بالسكان تحيط بها من الجهة الغربية، لا تبعد سوى خطوات قليلة، بينما تحيط بها من الجهات الثلاث الأخرى أرض شاسعة وخلاء. عدد البيوت فيها لا يزيد على الـ20. يقترب محمد من هوة بدت تشبه الحفرة كثيراً. «هذا ما يسمى بالجليب أو الزليب»، يقول.
يشرح الشاب: «من هنا يأخذون الماء. لا أعرف ماذا يسمونها أهل الرياض، لكنني أظن أنها جليب». رائحة الجيف تقتل الداخل إلى هذه القرية، ولن تستغرق وقتاً طويلاً لتعرف ما نوع تلك الجيف. «هذه جيف حيوانات (خرفان وغيرها) يجلبها الحصني - أو الثعلب الصغير، ويأكلها على رواق هنا من دون أن يزعجه الإنسان»، بدا الشاب وهو يقول هذه الجمل مرشداً سياحياً.
لم يستهوه تمثيل هذا الدور - المرشد السياحي - كثيراً. عزم على الغداء وأصر كثيراً، لكن إصرارنا كان أقوى. كما أنه اقتنع، حين قلنا: «سنكمل عملنا، ثم نغادر، ربما نحظى بمقابلة أو صورة جني». هذه المرة لم يعر هذا الكلام اهتماماً، إذ إنه دخل بنفسه إلى القرى التي كان يظن أنها مليئة بالجن، لكنه علق مازحاً قبل أن يغادر: «لو رآكم كبار السن صباحاً، فلن يملوا التحقيق معكم عن سبب وجودكم في المثيله، كما أنهم لن يصدقوا أنكم تبحثون عن الجن، عليكم بالبحث عن سبب مقنع، فكلامهم سيكون مزعجاً أكثر من الجن أنفسهم».
اثنان في قرية مسكونة
«الطاقة في بطاريات فلاش الكاميرا، انتهت. لن نتمكن من التقاط الصور قبل الفجر»، يقول سلطان، قبل أن يستدرك: «أعتقد أننا نملك صوراً ليلية كافية؟». الساعة الآن تشير إلى الثالثة صباحاً. ساعة إضافية واحدة، تكفي كي نتأكد إن كانت القرية مسكونة بالجن أم لا.
القهوة والشاي والتمر، التي حملها سلطان معه من بيت والدته، كانت كفيلة بهذه الساعة. والقمر المكتمل يغنينا عن أي ضوء آخر. لم نشعر بغربة المكان كثيراً، لعل دخولنا إلى كل بيوت القرية الطينية، وتفقدنا غرفها، خففا من خوفنا، لكن قلق حدوث غير المتوقع، لا يزال قابعاً فينا. كما أن الكلام عن النخل الذي يتحرك، والأصوات الصادرة من البيوت الطينية لم تفارق ذاكرتنا.
كل دقيقة تمر، نشعر بالراحة، طالما أن شيئاً لم يحدث. بدا كل شيء كرحلة كسبنا فيها هواء الطبيعة، خصوصاً وأن العاصفة الرملية انجلت منذ ساعات، ولم يعد لها أثر سوى لون السماء.
الرابعة صباحاً. سلطان يقول: «سمعت حكايات عن عيون الخرج، يقال أن الجن يسكنها. طالما أنها ليست بعيدة من هنا، لمَ لا نجرب زيارتها». بدا أكثر رصانة في حديثه، لم يعد أمر وجود الجن يعنيه، مقدار حصوله على صورٍ أجمل. لعل تجربة قرية المثيله وبيوت اليمامة المهجورة، أكدت له أن تلك الحكايات والقصص، ليس لها مكان سوى في ذاكرتنا ومخيلتنا، على رغم كل الثقاة الذين رووها.
جمعنا متاعنا، وانطلقنا إلى «العيون»، علنا نقضي فيها وقتاً قبل شروق الشمس. مقتنعين أن أهل المثيله وسواها من البيوت الطينية، هجروها لأنها غير قابلة للسكن، وآيلة للسقوط.
كورنيش عيون الخرج... سكنه الحمام وهجره الزوار بسبب الجن
< شابان بديا وكأنهما استنفدا كل طرق التسلية والترفيه. ما إن سألناهما عن «العيون»، وعلما أننا نبحث عن الجن، حتى قررا مرافقتنا.
حين اقتربنا من مدخل منطقة عيون الخرج، أوقفا سيارتهما، وأنزل الراكب زجاج النافذة، «هذا هو المدخل، ستجدان عيناً على اليمين وعينين على الشمال». لكنني، سألت: «الم تقولا أنكما ستسمران معنا، وتشربان القهوة والشاي. هل غيرتما رأيكما؟». نظر كل منهما إلى الآخر، وقال المتحدث مرة أخرى: «لا أبداً، سنذهب معكما».
ربما هو الخوف نفسه، الذي شعرنا به حين دخلنا المزارع وقرى اليمامة و«المثيله»، وشعرا به. ولعل إصرارنا قادهما إلى ما لم يفعلانه طوال حياتهما.
المكان بدا مظلماً، على رغم ضوء القمر المكتمل. لعل الأرض التي بدت أقرب إلى الألوان الداكنة جداً، لعبت دوراً في ذلك. «لم نأت إلى هنا، في هذا الوقت - الرابعة والنصف صباحاً، قبل هذه المرة»، يقول الشابان بعدما افترشنا الأرض، وقرر سلطان أن يغط في نوم، مدة قصيرة داخل السيارة، فالتصوير ليلاً من دون «فلاش» لن يكون ذا قيمة.
حسن المطيري العنزي الذي يعمل في الحرس الوطني، وماجد محمد العنزي الطالب في كلية التقنية، بدآ في سرد القصص والحكايات التي يسمعانها في الخرج عن الجن الذين يسكنون «العيون»، قرية المثيله. يقول حسن: «النخل يتحرك في المثيله. لو كنت أسكن قريباً من القرية، لانتقلت منذ زمن. لا أعرف كيف يسكن الناس هناك...»، ويقول ماجد: «عمة صديقي تزوجها جني يسكن في العيون، ولو لم يخرجه الشيخ حمود العتيبي منها، لظل متزوجاً بها طوال حياتها».
حسن وماجد لم يملا سرد القصص على شخص لم يسمع عنها، كانا يؤكدان كل قصة: «الجن الذي يظهر ليلاً ويشير بيده... الأصوات التي تصدر ليلاً من العيون...». لعل القصص هنا في «العيون» تشبه تلك التي في «المثيله».
ثقل يوم عمل ودراسة هائلة دفعهما إلى الانسحاب في الخامسة والنصف. وحدي انطلقت أتفقد المكان، أبحث عن الكهوف التي تكلما عنها. أشاهد ضوء الشمس وهو يكشف المكان في خجل. ابتسامة بدأت تبدو على كورنيش عيون الخرج الثلاث بمجرد حضور الحمام المنظم. لا شاطئ هنا ليلامس القدمين. لكن الشعور بأن هذه المنطقة كانت مكاناً للسباحة بحسب ما روى الشابان، يمسح صورة المكان المهجور والجن الذين يسكنونه، ويرسم حياة قروية جميلة.
ربما كانت العيون تشعر بالوحدة، خصوصاً أن الزوار من أهل المنطقة هجروها، إلى حد ما، وسكنها الحمام، بحسب ما يقول حسن وماجد، وانحصر الزوار غير بعض السعوديين الذين يجيئون لالتقاط الصور والاستمتاع بطابع آخر من الحياة.
«عين ضلع» تقع في الشمال ملتقى شعيب العقيمي بشعيب العين. «عين سماحة» تقع شمال عين الضلع بانحراف الى الغرب. «عين المخيسة» تقع في جنوب غربي عين ضلع، على بعد 1220 متراً. السور الحديد يسيج العيون الثلاث، ويمنع القفز تحت طائلة المسؤولية. لكن الزوار، شقوا مدخلاً في كل سور. تدخل من شق السور الحديد حيث كتب على الصخور: الكويت، والقطيف، والقصيم، والطائف... مدن كثيرة وأسماء تدل إلى أناس مروا من هنا. عادة متفشية تشوه كل جميل.
هل من مجنون يقترب من هوة العين المخيفة؟ الخوف يزول، تدريجاً. لن تجد حجراً ترميه كي تكتشف العمق قبل النظر إليه، بالصوت. تنقذف كطفل كي تنظر إلى قاع العين. لن تجد جنياً بالطبع. كل ما تراه هو أتربة وصخور بدت رطبة على رغم غياب المياه.
ضوء السيارة عنصر سيغيب في هذه اللحظة. ومعه سيغيب يوم ممتع بدأ في المثيله والبيوت الشعبية وقرى اليمامة المسكونة بـ»الجن» الصغير، وانتهى بـ»العيون» ومنظرها الخلاب. سلطان يفيق للتو، كي يمارس مهنته وهوايته التي أحبها، في التقاط الصور، خصوصاً الحمام.
لون الخوف في القرية: النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً
< بيوتٌ طينية، بعضها مهدم، وبعضها آيل للسقوط في أي لحظة. سقوفٌ انهارت، وأخرى تقاوم. وأهلها لم ينسوا قطعة أثاث واحدة. الغبار الذي هاجم مدينة الرياض وضواحيها الإثنين 22 من شباط (فبراير)، ترك اللون الأصفر الميال إلى الحمرة في السماء. هذا اللون انعكس على جدران الطين ودخل من بعض شقوقها متكسراً، صانعاً إضاءة رعب طبيعية. «القرية» تشبه تلك التي في أفلام الرعب الهوليودية.
هل أنت خائف؟ عليك بالشهيق والزفير العميقين. هل تحتاج إلى ما يذهب عنك الخوف؟ إذا كنت ستحتاج إلى ذلك هناك، فهذا يعني أنك سترى جنياً. «النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد كثيراً في ذاكرتك.
لا تخف أبداً. «لا شيء من هذا الكلام حقيقياً. كلها مجرد أساطير وحكايات، يلقيها الآباء على أبنائهم، لسبب ما. ربما كي يمنعوهم الذهاب إلى المناطق المهجورة، خوفاً من مشرد أو مخمور...»، هكذا تُمني نفسك وتُبعد منها الخوف. لكن الزميل المصور، سلطان الفهد، يسأل: «هل يتلبس الجني الإنسان؟»، حتى لو حاولت إقناعه بغير ذلك، كيف ستُقنع نفسك؟ يسأل من جديد: «لكنني سمعت وصورت عائلة من الخرج، آذى الجن أفرادها كافة، لأنهم بنوا منزلهم فوق أرض يقال إنها مقبرة! ما تعليقك على هذا؟». يسمع منك جواباً غير منطقي، يجره إلى سؤال آخر. هو - سلطان - يُمني نفسه أن تكون أجوبتك حقيقة، مثلك تماماً، لكنه لا يلبث أن يسأل ويروي من جديد. سؤال يجر إلى آخر، وحكاية تقتل وقتاً يمضي ببطء، بل أبطأ من البطء ذاته. القلق يهدّك هدّاً.
فنجان قهوة، وراءه تمرة. تارة أخرى تفكر في الشاي. المهم أن ينقضي الوقت، فلون الخوف في كل مكان من القرية، حتى اكتمال القمر يحيل الذاكرة إلى دورة في ظهور الجن، و«النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد في ذهنك.
بين «خفس دغرة» و«معازف الجن»...
الصمت سيد المكان المرعب (2-3)
ابراهيم بادي وصالح العلياني الحياة 2005/03/8
***
نحن في يوم الأربعاء الثاني من الشهر الجاري. قبل هذا التاريخ بعشرة أيام، بتنا في قرية «المثيله» ومزارع اليمامة، ننتظر أصوات الجن وبعضاً من حكاياتهم وقصصهم، كي نسردها. لكن، ما وصلنا إليه لم يتجاوز قصصاً سردها لنا السكان المجاورون لهذه المنطقة. حتى ما ذكره الزمخشري عن «الأعاريب»: «من الجن جنس صورته على نصف صورة الإنسان واسمه شق، ويعرض للمسافر إذا كان وحده وربما أهلكه...»، لم نجده هناك.
طوال ساعات الصباح الأولى، بعد منتصف الليل، في المثيله ومزارع اليمامة، كنا نتأكد بعد كل لحظة تمر، أن حكايات «جن الخرج» مجرد حكايات، مع كل الشائعات عن وجودهم هناك.
وبعد عودتنا من هناك، الثلثاء الـ23 من الشهر الفائت، التقينا الزميل المذيع في قناة المجد محمد الدخيني، وهو من أهل الخرج أصلاً، الدلم تحديداً. وروى لنا حكايات عن المنطقة المعروفة بـ»المشطّب» أو «معازف الجن» - بحسب الهمذاني المولود في 280هـ.
الدخيني يؤمن بأن الجن حقيقة، مثل معظم المسلمين، لأنهم - الجن - مذكورون في القرآن الكريم، لكنه ليس متأكداً من القصص التي يحكيها الناس عن مغامراتهم مع الجن والعفاريت، ولعله لا يصدقها.
اقترح الزميل الدخيني، أن نزور «المشطّب»، و«خفس دغرة»، وهما منطقتان في الخرج. وعرض علينا الجلوس مع الباحث والمؤرخ سعد الدريهم، الذي سيروي لنا تاريخ المنطقة، وكل ما يعرفه عن «جِنّها».
«رجل، مر على المشطب، فوجد أناساً استقبلوه وذبحوا له وأطعموه. بات عندهم، في بيوتهم، ليفيق صباحاً على صحراء قاحلة، لا بيوت ولا ناس، قبل أن يفر فزعاً مرعوباً»، يروي الدخيني من دون أن يؤكد مدى صدقية القصة، ويضيف: «كثيرة هي الحكايات التي تشبه هذه، وتسمع عنها هناك، لكنك لا تستطيع الوثوق بها». لكن الزمخشري قال أيضاً في «ربيع الأبرار»: «تقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير ورأينا خياماً وناساً ثم فقدناهم من ساعتنا يعتقدون بأنهم الجن وأن تلك خيامهم وقبابهم». هكذا حكايات تشوقك إلى زيارة المشطب، وخفس دغرة وغيرها... باحثاً عن الجن أو حقيقتهم، حتى لو عدت بـ«خفي حنين» من اليمامة، فلا مانع من أن تجرب مرة أخرى.
رحلة اليوم الأربعاء الثاني من آذار (مارس) بحثاً عن حقيقة «جن الخرج»، لم تقتصر على اثنين، فالزميل صالح العلياني شارك فيها، والشاب الموظف في احد البنوك عبدالله الشمراني استهوته الفكرة وبات الليلة مع فريق «الحياة» - إبراهيم وسلطان وصالح، في «قرية جن» أخرى. إضافة إلى أن محمد الدخيني لحق بهم صباح يوم الخميس.
الشبان اختاروا مكاناً خلف قرية مهجورة في سفح جبل، قريباً من عين، وبعيداً من المناطق المأهولة بالسكان، ينتظرون وينتظرون... كل ذلك بعد منتصف الليل.
قرية مهجورة بعض غرفها نظيفة!..
العاشرة مساءً، في «زميقة» البلدة الصغيرة التي تقع بين «الدلم» و«خفس دغرة». خمسة أو ستة شبان تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ17، توقفت أمامهم سيارة دفع رباعي. انفرجت نافذة السيارة الخلفية المتشحة بالسواد، ليقول صالح: هل تعرفون قرية اسمها المشطّب؟ رد أحدهم متهكماً بلهجته المحلية: «لا... نعرف المليونير».
أثار كلام الشاب الضحك، قبل أن يقطعه سيارة سيدان توقفت ليطل من نافذتها رجل في عقده الرابع وسمته الشمس بسمرة تميز أبناء البادية. كان معه طفلان لا يتعدى عمر أكبرهما الثالثة. سأله إبراهيم: إلى أين يوصل هذا الطريق؟ قال: إلى «عين الخفس»، «خفس دغرة». استدرك إبراهيم: هل تعرف قرية يسكن فيها الجن؟
لا يزال الرجل محافظاً على ابتسامته، إلا أن ملامح الاستغراب بدت على وجهه وجوه الشبان الذين يقفون حول السيارة «بتحصلونهم... في الخفس»، يقول بابتسامة غريبة.
وصف الطريق إلى «خفس دغرة» بدقة، وروى: «أسمع أصواتاً في الليل، حيث أسكن، أصوات رقص ولعب وهرج وجلبة». يؤكد أنها أصوات الجن. سأله صالح عن «المشطّب»؟ فقال: «الشاطب... تقع في الأفلاج. 200 كيلومتر من موقعنا». قلنا له «المشطب»! أكد أنه لم يسمع عنها من قبل.
قبل أن نتحرك قال بعامية بحتة: «سوقوا بشويش... لا تسرعون عشان ما يوذونكم»!
طريق القرية المهجورة
البوصلة تشير إلى 38 ْ جنوباً. الزميل محمد الدخيني أكد لنا عبر الهاتف المحمول أن الشبان صغار السن، لا يعرفون المشطب. وصفه لطريق خفس دغرة توافق مع وصف الرجل «سأصل عند الثانية صباحاً، منطقة عين خفس دغرة بعيدة من المناطق المأهولة بالسكان، وفيها قرية مهجورة قرب العين... يمكنكم المكوث فيها، حتى أصل إليكم وننطلق إلى المشطب»، يقول الدخيني.
بعد نقاشات، اتفقنا على التوجه إلى «خفس دغرة»، لعلنا نظفر فيها بشيء. إلى هذا الوقت، لم يكن الشعور بالرعب موجوداً، ولعل ما أكد غياب الرعب، المواضيع التي تناولناها طوال الرحلة. كانت بعيدة كل البعد من قصص الجن، سوى مخيلة صالح عن «أبناء الجنية» أو «السبع القرين» الذين يقال إنهم أبناء جنية تزوجت بأبيهم بعد إعجاب استمر مدة من الزمان...
أكثر من فأر، وجرذ، وقنفذ، كانوا يعبرون أمام الطريق! بحسب قصص الجن وحكاياتهم المشهورة، فـ«الجني يظهر في بعض الأحيان متلبساً جسد حيوان»! هل يمكن أن تكون هذه الحيوانات جناً؟ وهل يمكن ان تكون هذه الحيوانات الصغيرة، هي تلك التي حدثنا عنها الرجل؟
على أي حال، كنا نقود بسرعة متوسطة، لم نصب أي حيوانات منها بأذى، كما أننا لم نشغل بالنا كثيراً بهذا الكلام، ربما كان الرعب في القرية أكثر.
بداية الرعب
قطعنا 20 كيلومتراً، وصلنا إلى جسر صغير سمح للسيارات بالعبور من فوق مياه السيول بعد أسبوع حافل بالمطر، توقفنا، وترجلنا من السيارة. سلطان يحاول التقاط بعض الصور الفوتوغرافية للمكان الذي أضفى عليه النور الأحمر لمكابح السيارة مسحة من الجمال، خصوصاً أن الظلام دامس. على مسافة ليست بالقريبة بدت أضواء إحدى السيارات تشير إلى اقترابها كل لحظة. السيارة كانت تسير بسرعة، إلى أن ضغط إبراهيم على زر ضوء الخطر المتقطع (الفلاشر). بدا تردد السائق في الاقتراب واضحاً على سرعة السيارة، فهي تسير ببطء تارة وتقف تارة أخرى. أشعلنا بقية مصابيح السيارة، كي يتمكن سائقها من رؤيتنا بوضوح. أخيراً استجمع السائق قواه وتجاوزنا ملقياً التحية، لكنه قرر بعد 10 أمتار فقط أن يعود من حيث جاء.
بعد أن اقتنع سلطان أن المكان ليس مناسباً للتصوير، سرنا بالسيارة إلى القرية التي لم تكن بعيدة من الوادي - كيلومتر أو اثنان.
توقفنا على الطريق الذي قسم القرية نصفين من المباني الطينية المتهدمة، وشبه المتهدمة. وجهنا إضاءة السيارة إلى الجزء الذي يقع إلى يسار الطريق من القرية. كان الصمت سيد المكان. لم يخترق سيادته صوت السيارة وأصوات حديثنا، ووقع أقدامنا الباحثة في أرجاء القرية عن مفاجأة من نوع مخيف. «فلاش» الكاميرا كشف مساحة أكبر من الطين، كلما أومض. تجولنا في النصف الذي يقع على يمين الطريق، فالنصف الآخر بدا أكثر رعباً، بمنازله الكثيرة.
دخلنا الأحواش والغرف. سمعنا صوتاً قوياً لطبيعة تغلبت على إنسان ذلك المكان. طبيعة جعلت من حاضرته القديمة التي كانت تعج بالحياة والقوة وأصوات الأطفال، حكايا أماسي يتناقلها أصحابها. طبيعة جعلت من بيوته الطينية مسرحاً لعوامل التعرية والحيوانات المشردة، والأشباح التي جئنا نبحث عنها!
مغامرات فوق الطين
بعد أن تركنا قرية الطين، تجاوزتنا سيارة بها شابان، استوقفناهما من دون أن ينزل أحدنا من سيارته. دارت بيننا أسئلة عن الجن و«المشطب» و«عين الخفس». أنكروا وجود العين والمشطب. أنكرا معرفتهما بنهاية هذا الطريق وإلى أي مكان يوصل. تركانا، وغير بعيد منا استدارت سيارتهما عائدة إلى حيث أتت. واصلنا السير وتجاوزنا في طريقنا إلى هذا المكان، مزرعة للدواجن ملأت الأرض والسماء بروائح كريهة، ما دفع عبدالله إلى التعليق: «لن يسكن الجن في مكان تفوح منه هذه الرائحة القاتلة».
انتهى بنا الطريق المسفلت إلى واد رسمت أشعة القمر بعض التعرجات على وجه المياه القليلة فيه. بعد أن التقطنا بعض الصور للوادي والماء والقمر قررنا عبوره إلى الضفة الأخرى، فسيارتنا ذات الدفع الرباعي مؤهلة لذلك.
دخلنا الوادي باحثين عن طريق أفضل للعبور، متفادين الحفر. ربما الشعور بالتيه، جعلنا نقرر العودة. لكن، الوحل والطين تمسكا بعجلات السيارة، التي بدأت تغوص في الوادي. ترجل أحد الشبان... وبدأ في توجيه السائق الذي نفذها ببراعةٍ جعلته يتباهي بأنه قائد ماهر - (طارة)، بعد خروجنا من هذه الورطة. لم يكد يكمل تباهيه، حتى أخذت السيارة في الزحف والانزلاق بعجلاتها الخلفية. لكن السائق أصر على أنه «طارة» حين «دعس» على دواسة البنزين، وخرجت السيارة إلى الضفة التي إلى جانب الطريق.
عدنا إلى مكان القرية. سرنا في طريق وعرة، محاولين الالتفاف حولها. ثم ترجلنا. دخلنا بيوتها التي بلغ عددها أكثر من 40 بيتاً.
استمر سلطان، كعادته، في ممارسة هوايته ومهنته في التقاط الصور للقرية. إبراهيم وعبدالله أثارت الغرف النظيفة جداً دهشتهما، خصوصاً وأن سقوفها لا تزال في حال جيدة. ذهب صالح راجلاً يبحث عن العين المعروفة، وربما بحثاً عن «الجن» أيضاً، بقربها.
حكاية الجن... وحقيقتهم!
تمر سيارة بيضاء، فيها مجموعة شبان (ثلاثة او أربعة). لا يبدو انهم يقصدون مكاناً بعينه. هم يتجولون لا اكثر، مثل أترابهم. ينتبهون إلى فلاش كاميرا سلطان. سرعة سيارتهم تنخفض. يصيح احدهم بعد أن يخرج رأسه من نافذة السيارة، بجمل غير مفهومة. نرد نحن من القرية، فيصيح مرة أخرى ضاحكاً. ربما قال احدهم: يا جني... ولعلهم سيسردون قصة أصوات وأضواء سمعوها ورأوها بالقرب من القرية المهجورة، وسيتناقل الناس الحكاية، وسيضيف من يضيف عليها بعض الأحداث مثل: «دخلوا القرية ورأوا فيها حركة وجنوناً...».
بعد أن نضحك كثيراً على الشبان الذين عادوا مرة أخرى، لكن من دون أن يجرؤوا على النزول من السيارة، نقرر أن نجلس. نأكل مما أعدته لنا زوجة صالح ووالدة سلطان، ونشرب قليلاً من الشاي والقهوة. افترشنا الأرض، في سفح الجبل خلف القرية، قريباً من «العين» التي وجدها صالح.
تكلمنا في كل شيء، حتى الجن... النكت استحوذت على نسبة كبيرة من الكلام. إبراهيم وسلطان تناوبا على سردها. وطالما أن الهدوء سائد في المنطقة، فصوت أي سيارة تمر قريباً يبدو كصوت طائرة. لم يزد عدد السيارات عن عشرة على أي حال. ولم نكن لنعرف هدف هذه السيارات، إذ يصعب رؤيتها من المكان الذي نجلس فيه، لاسيما أن بيوت القرية تحجب الشارع عن أعيننا. ربما كان معظمها - السيارات - يقصد مزرعة الدواجن، التي تبعد نحو كيلومترين من المكان الذي نجلس فيه، وبعضها لشبان يبحثون عن قصص يسردونها لذويهم، كجني يشير بيده أو ضوء يشبه الفلاش، وأصوات تصدر من القرية.
ننتظر وننتظر وننتظر.... «لعل الجن استأنسوا بنكتنا ولم يرغبوا في إيذائنا»، يقول عبدالله. «ألا زلت تصدق بذلك؟» إبراهيم يرد، قبل أن يصر: «لو كان هناك جن، لكانوا أمامنا الآن... نحن في قرية مهجورة، في سفح الجبل، قرب العين، بعد منتصف الليل، والمناطق المأهولة تبعد أكثر من 20 كيلومتراً. إذاً فهذا أكثر مكان يناسب ظهورهم بحسب الأقاويل والحكايات... أين هم؟ لمَ لم نسمع صوتاً أيضاً!»
الساعة الخامسة صباحاً الآن، بعد قليل يصل الزميل محمد الدخيني، الذي اتصل علينا مراراً، لكن هواتفنا المحمولة كانت خارج منطقة الاتصال. الدخيني سيقودنا إلى الباحث والمؤرخ سعد الدريهم، كي يكشف لنا حكاية «جن الخرج»!
نوبات ذعرٍ في عالم «الجن» الذي لا نراه...
هل تتحول المغامرة في عالم الجن، إلى فاجعة؟ حين وصل الزميل الدخيني تجولنا في جبال «خفس دغرة»، قبل شروق الشمس بدقائق. سلطان كان يخاف على الكاميرا من التلف، لذلك تحرك ببطء وترو. وصل الجميع إلى قمة الجبل: إبراهيم وصالح ومحمد وعبدالله، لكن سلطان لا يزال في منتصف الجبل بين المغارات يلتقط صوراً. شعرنا بغيابه. بدأت أصواتنا تعلو: سلطان... لكن من دون جدوى. الصراخ لا يفيد، كل منا يفكر! هل يعقل ان الجن اختطفوا سلطان؟ تبدأ باستخدام صوتك بأعلى درجاته. لا فائدة، سلطان لا يجيب.
لو تدحرج، لرأينا جسده في مكان هنا أو هناك، أو لسمعنا صوت دحرجته على الأقل. هناك من حاول النزول مرة أخرى بحثاً عن سلطان. دام غيابه نحو سبع دقائق، ليظهر من خلف صخرة والكاميرا تغطي وجهه، قبل أن يزيحها لتظهر ابتسامته. نال ما نال من السخط، والغضب. ربما كان يقضي حاجة، لكنه أثار الرعب في قلوبنا للحظات.
الجبل الذي اختطف سلطان لدقائق، كان جميلاً في الليل. تسلقناه، قبل أن يصل الزميل الدخيني (الساعة الثالثة صباحاً). لم نجد جناً على الأرض، ربما قررنا البحث عنهم في الجبل. الجبل الذي بدا كأنه عالم منعزل. لم نجد كلمات مثل: ذكريات... أو ما يشير إلى مرور المخربين من هنا. المكان يشبه عالماً آخر، بكهوفه ومغاراته. تشعر للحظة بنوبات ذعر، خصوصاً أن الماء غطى كل هوة، فلا نستطيع تقدير عمقها. نتسلق ونتسلق ونتسلق، إلى أنْ نشعر أنّ الطريق مغلق.
«الجن في قلب هذا الجبل. يعيشون في عالم يشبه عالمنا تماماً، لا نراه. يأكلون ويشربون، ويخترعون... ينزلون إلى القرية، كي يجلسوا في الغرف النظيفة. ينظفونها، ويحافظون على سلامة سقوفها. ربما ينتقلون إليها في الصيف، ويعودون إلى الجبل في الشتاء». هذا خيال، يرسمه أي منا حين يكون في مكان مثل تلك القرية المهجورة، وربما ينقله إلى غيره وتسري الإشاعات عن الجن وحكاياتهم!
لكن، هل ينتهي الناس من سرد الخيال؟ أم تبقى هذه القصص ساحة لزرع الرعب في أطراف من تسول له نفسه زيارة مثل هذه الأماكن أو الاقتراب منها؟
كيف يعيش الجن في هذه الأزمنة؟ «لعلهم - الجن - شعروا بنوبات ذعر، حين وصلنا بكشافاتنا الضوئية، وكاميرا سلطان، وسيارتنا الـ»جيب». ربما كان الجن مخلوقات ضعيفة تخشى الإنسان، وتختفي منه حين تراه. لكن، لماذا يخافها الإنسان، طالما هي تخافه؟
الإنسان يخاف من المجهول، يحكي عنه كثيراً. ربما كان الجن أيضاً يخاف من المجهول، ويحكي عنه كثيراً. وكلاهما لا يقترب من الآخر! ربما وربما وربما... يمكنك أن تحكي ما تشاء عن المجهول، فلن يكتشف الحقيقة أحد!
سمع أصوات الجن ويعرف مناطق سكنهم... الدريهم يكشف حقيقة «جن الخرج» ويروي تاريخ المحافظة (3-3)
ابراهيم بادي وصالح العلياني الحياة 2005/03/9
هل تنتهي الحكاية؟ الباحث سعد الدريهم الذي يسكن في الدلم بدا أنه كشف حقيقة «جن الخرج». ربما من وجهة نظره. هو سيروي عن الأصوات وعن تجسد الجن وتلبسهم الإنسان. وسيروي عن «معازف الجن» التي كتب عنها الهمذاني قبل أكثر من ألف عام. لكن، الحديث عن المجهول، طويل وطويل وطويل... لن تكفِ صفحات ثلاث في سد رغباتنا البحث عن الغيبيات.
الاتصالات الهاتفية بدأت بعد أول حلقة نشرت عن «المثيله». مناطق المملكة الشاسعة وقراها مليئة بحكايات و«حواديت» الجدات وكبار السن عن الجن. والشبان يروون مغامراتهم مع الجن أيضاً.
«المثيله» و«خفس دغرة» و«المشطب»، ليست القرى المهجورة الوحيدة، التي يمكن أن تسكنها المخلوقات المجهولة بالنسبة إلينا. وليست القرى الوحيدة التي يسود فيها الصمت ويغيب عنها الإنسان والوحوش البرية والحيوانات الضعيفة.
لكن، فريق «الحياة» زاروا قريتين مهجورتين. باتوا في كل قرية ليلة كاملة. كتبوا عن الخوف والرعب في زواياها وألوانها. لم يسمعوا صوتاً أو يلحظوا حركة أو جسداً غريباً فيها.
عالم الجن لا نراه... لكنه موجود! سيروي عنه الكبير والصغير، طالما أنه مجهول. وسيتصل كثيرون يؤكدون وجوده في منطقة هنا أو هناك. وكثيرون يخافون هذا العالم. لكن، ألا يمكن أن يكون الجن هو من يخاف الإنسان؟ هل يحيا كما نحيا: يأكل ويشرب ويتكلم وينام في الليل ويستيقظ في الصباح؟ وهل يشبه الجن في أميركا أو اسرائيل الجن الذي يسكن السعودية والدول العربية؟
رجل، يتصل بالصحيفة ويزعم انه يعرف إنساناً يكلم الجن، ويعرف أن هناك جناً أسلم بعد أن أقنعهم الإنسان نفسه الذي يسكن الخرج! يقول: «ستسمعونهم بأنفسكم... كل ما عليكم هو زيارته»!
رجل آخر، يقول أن منطقته مليئة بهم، وأنه يراهم. تشعر بالملل من كل تلك الحكايات، لكن ذلك لا يمنعك من التفكير في المحاولة مرة أخرى في المستقبل، علك تجد الحقيقة.
الساعة الآن السابعة صباحاً، في يوم الخميس الماضي. وصلنا إلى منزل سعد الدريهم. الزميل محمد الدخيني من قناة المجد، قادنا إلى منزله. الرجل أصر علينا أن نتناول الغداء معه، وحين اعتذرنا منه، مبررين بمكوثنا طيلة الليل في خفس دغرة، طلب تحديد موعد آخر، لأنه لن يقبل أي أعذار. لكن كل ذلك، لم يمنعه من تقديم وجبة الإفطار الشهية التي سدت جوعنا طوال الليل. كان كريماً جداً. ابتسم حين سمع قصتنا ومغامرتنا تلك، على رغم أنه أبدى امتعاضه، لأننا وصلنا الخرج ليلاً ولم نزره في مزرعته.
وبينما كان ابنه يصب لنا الشاي والقهوة، ويقدم لنا العصير. كنا نتناوب على طرح الأسئلة عليه، على رغم أن النعاس بدأ في التسلل إلى بعضنا. الزميل الدخيني شاركنا في طرح الأسئلة، ربما كان يبحث مثلنا عن إجابات.
بدأ الدريهم يحكي ويحكي ويحكي عن الجن وتاريخ المحافظة....
< يروي سعد الدريهم قصة حقيقية، منذ نحو 50 عاماً: «كنت في الصف السادس الابتدائي. خرجت وزملائي (خمسة او ستة منهم)، ليلاً نصيد الجراد. وإلى جانب شجرة كبيرة، سمعنا وقع نزول أحدهم من فوق الشجرة. لم نره لكن صوت نزوله، كان واضحاً. ومن على شجرة أخرى سمعنا صوت أحدهم يقول: هبوا يا كلاب. لا زلت أحفظها».
الدريهم وزملاؤه لم يثنهم شيء عن طعم الجراد اللذيذ، بالنسبة إليهم. انطلقوا إلى مكان آخر. لكن، أصوات الجن لحقتهم، حيث ذهبوا. «بعد لحظات من ابتعادنا عن تلك الأشجار، سمعنا أصواتاً وجلبةً وصياحاً، ما دفعنا إلى العودة إلى منازلنا».
يقول الدريهم: «من وجهة نظري، صوت الجن حقيقة، وإن صعب علينا إدراك أصوات هذه المخلوقات. لكن، ظهورهم والجلوس معهم أمر مستحيل، على رغم كل الحكايات والأساطير والخرافات التي تروى». ويستشهد الدريهم على حقيقة أصوات الجن، بما ذكر في التاريخ عن «المشطب» أو منطقة «معازف الجن» وغيرها من الأماكن الكثيرة.
> ينقل الشبان قصصاً كثيرة حين يزورون المناطق المهجورة، أو يخيمون في الوديان والبراري، ألا تحفظ بعضاً من هذه القصص؟
- لا تتجاوز قصص الشبان الخيال، وحب إبراز مغامراتهم. لكن معظم الثقاة من كبار السن الذين حفظوا قصصاً، ماتوا. ثم إن كلمة جن «سلمك الله» تحتاج إلى هدوء وتعب بعد تعب. كبار السن حين يخرجون في ساعات الصباح الاولى بحثاً عن الرزق... منهم من يجمع الأعلاف، أو بدوي يرعى، خصوصاً إذا كان وحيداً، يتراءى له ويسمع جلبة وأصواتاً، فيسمي ويذكر الله، حتى يشعر بالأمان.
كما أن الجن حذر أيضاً مثل الإنسان، ولعله يخافه. ولم يثبت أن رآه أحد، حتى شرعاً، باستثناء بعض الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعض الصحابة. لكن، سماع أصواتهم أو عزفهم، مثبت في التاريخ، من دون اثبات رؤية أجسادهم أو وصف أشكالهم. وتذكر بعض الروايات أنهم يظهرون على شكل حيوان، ربما يتلبس في حيوانات! لكن تلبسه الإنسان أو دخـوله جسده والكلام بلسانه، أمر مختلف عليه بين علماء الاسلام.
وهناك حكايات كثيرة، عن أناس دخلوا تحت الأرض وحاكمهم الجن، وغيرها... لكن كل تلك القصص لا يقبلها عاقل، ولم تثبت شرعاً.
> هل تعرف قصص أناس تأذوا من الجن في المنطقة أو آخرين هجّرهم الجنُ من منازلهم؟
- بحسب ما علمنا في الشرع ومن روايات قديمة، أن من يؤذي الجن يؤذوه، ربما كان دفاعاً عن أنفسهم، ظناً منهم أن هذا البشري يود إيذاءهم. كأن تضربهم بشيء - من دون أن تعرف طبعاً، او تسكب عليهم ماءً حاراً من دون أن تسمي الله أو تذكره. وأذاهم عرف في المجتمع والإسلام بمس الجن، لكن ذلك لا يعني أنهم يظهرون ويتجسدون ويتلبسون الإنسان...
أما إن كان الجن هجرواً أناساً في المنطقة من منازلهم، فهذا لم يحصل من قبل، ولم ترد حكاية عن أحد ترك منزله بسبب جني. والمعروف أن الجن يخافون الإنس ولا يسكنون مناطق هم فيها.
وأذكر أن رجلاً كبيراً في السن اسمه محمد - تحتفظ «الحياة» باسمه كاملاً، كان يدخل مزرعتنا في الدلم ويخلع ملابسه كاملة ويسبح في «البركة»، ثم يخرج ويترك المزرعة. آبائي وأجدادي كانوا يعلمون أنه ممسوس من الجن، لذلك لم يؤذوه أو يوبخوه بسبب فعله، وهو كذلك لا يؤذيك طالما لم تقترب منه.
> «المثيله» و«خفس دغرة»، قريتان مهجروتان، زرناها بحثاً عن الجن ولم نجد شيئاً، ما تاريخ المنطقتين؟
- «المـثيله» حـي مـن أحـياء قـرية اليـمامـة، في وسط المـزارع، تركـها أهـلها لأن بيـوتها قـديمة وآيلـة إلى السقـوط. ويسـكن حـولها بعـض أصـحاب المـزارع هـناك مـمن بنى بيوتاً حديثة، أو لا تزال مبانيه القديمة متماسكة.
أما «خفس دغرة» فلا يسكنها أحد، سوى قلة يعملون في مزارع قريبة من هناك - كيلومترين تقريباً. بنيت قرية خفس دغرة، كسكن عمال في عهد الملك عبدالعزيز، وستزرع المناطق حول عيون الخفس حينما شعر الناس بقرب الحرب العالمية الثانية. وبما أن الحرب ستندلع، فمن الصعب استيراد القمح والمواد الغذائية. فأمر الملك وزير المال في ذلك الوقت - إذا لم تخن الذاكرة، عبدالله السليمان الذي استغل وجود عينين في خفس دغرة، وعمل على مشروع الخرج الزراعي.
هذا المشروع أمن المملكة بالمواد الزراعية: قمح، وخضروات، وفواكه والبان.
ومع نضوب الماء من العين، هجرت المنطقة، وتهدمت بيوتها، ولم يعد يزرها أحد إلا قلة من أهالي المزارع هناك.
> مزرعتك قريبة من منطقة «خفس دغرة»، وتزور المنطقة يومياً من الصباح إلى الثامنة مساءً، ألم تسمع صوتاً أو ترى جنياً مرة واحدة على الأقل؟
- يبتسم ويقول بلهجته العامية: «ما عاينت لا جن ولا غيرهم، حنا يا وليدي ناس نسمي الله ونذكره، ونطلب رزقه، والجن ما يجينا»!
لم يشأ العم سعد رواية تلك القصص المثيرة عن الجن، والتي يحفظها كثيرون. ربما لأنه يعلم أن كلامه هنا للتوثيق ولكشف الحقيقة، لذلك قرر أن يبتعد عما لا يمكن توثيقه، على رغم إصرار الزميل الدخيني.
على أي حال، هو لم ينف وجودهم، وأكد أن لهم أصواتاً، لكنه عد كل القصص والحكايات عن رؤية الجن ووصفهم «مجرد تهيؤات وخيال، ربما كان للجن انفسهم دور فيها، إذ يوسوسون للإنسان كما يوسوس الشيطان». وضحك العم سعد مؤيداً حال ما قاله المثل
16 التعليقات:
انا بقرأ بس خفت
بس على ما اعتقد ان خوف الناس هى اللي خلت الاماكن اللي زي دي مهجوره
مشكوره برايد
كل شيء وارد
بس أنا بنظري ....يعني معقول كل الناس بتهلوس؟؟؟يعني هلوسة جماعية !!!!
ما بستبعد إحتمال تسلط الجن على القرى وفي ناس ما بتعرف كيف توقفهم بلقرآن والتحصن فبيختارو إنهم يرحلو ويتركو بيوتهم مهجورة خاوية
تحياتي عزيزتي ....
بالنسبة لهذه القرية لا يوجد بها اشباح حسب بحثي بالموضوع فهي من صنع الناس انفسهم فأكثر الامكان التي تبث الرعب في قلوب الناس هي من صنعهم مثلا بيت لا يسكن لمدة خمس سنوات سوف يتحول الى بيت فيه من التراب والغبار الكثير وهنا سوف ننتشر عنه تلك الراوايات التي تتشبه بالاماكن المسكونة ولو بحثتم بشكل كبير في الموضوع فلن تجدو على الاقل ولو شخص واحد اصابه الاذى من تلك المنطقة ولن تجدو صورة واحدة مرعبة تدل على حصول شيء غريب تبقى معظم مخاف الانسان من صنع الانسان نفسه
يعطيكي العافية برايد..قصة شيقة مخيفة نواعا ما مو كتير ههههههه قلنا هلء بشوفو الجن هلء بيسمعو الجن ما في شي طلعو فاشوش ههههه ... هو الجن موجود لكن ما بيظهر غير للي ما بيذكر الله تعالى او بيسمي بإسمو العظيم. وأصلا الجن بخافو من الانس متل ما الانس بخافو من الجن تماما ... الله يبعدهم عنا يارب
شكرا لكي ...تحياتي
أهلا أخوي رامي منور ....يسعد مساك ربي....
ما بعرف أنا عندي قناعة شخصية إن الجن متواجد معنا بكل مكان ففي جن كافر وفي جن مسلم مسالم مشان هيك أمرنا الرسول(ص) إن حسينا على حركة غير طبيعية في مساكننا نحرج بشد الراء على الجن أن لا يقربونا ولا يؤذونا وفي حالة تكرر الإيذاء من قبلهم لأكثر من 3 ايام ولو تشكلو بأي خلقة يتوجب علينا قتلهم أو التصرف معهم بلسبل الشرعية ومنها وأولها حرقهم بلقرآن والرقية أما الجن المتشكل بلفلا أو بلأماكن الغير مأهولة يتوجب قتلهم فورا أو عدم الإقتراب منهم تجنبا للأذية
أما عن أماكن تواجد الجن سأنقل لك فقرة من موقع اسلامي موثوق تتكلم عن مساكنهم:
يقول الشيخ أبو عبد الرحمن بكر العسال ((أن الجن يعيش في كل مكان تقريبا فهو يعيش على سطح المياه وفي أعماقها ويعمرون الصحاري الكبيرة )) ويقول الشيخ مجدي محمد الشهاوي ( فالجن تسكن مع الناس في البيوت وغيرها من الأماكن فوق سطح الأرض أما ما يشاع على ألسنة الناس من أن الجن ((تحت الأرض ))فغير صحيح .العلاج الرباني ص12.
قلت: من الخير أن اختصر هذا التفصيل في نقاط محددة، ومنها تكون مساكن الجن هي:
1- فوق سطح الأرض مثلنا تماماً. 2- في البيوت مع الناس . 3- الحمامات . 4- الحشوش(المراحيض). 5-المزابل. 6-القمامات. 7- المقابر. 8- الأماكن المهجورة. 9-الصحاري. 10-الجبال. 11-الشقوق والجحور. 12-فم البالوعة . 13-البياض المتخلل بين الزرع . 14-أماكن المياه خاصة بالليل 15-يكثر الفسقة منهم في أرض العراق.
16-سطح المياه وأعماقها .
(بدليل الحديث الذي يذكر أن عرش إبليس على الماء ). وهذا حتى يتيسر لمن أراد العلم بأماكنهم فإنهم حولنا وفي كل مكان ،أما تري إلى من يسقط من مكان عال فإنه قد يصاب بالصرع ،أو من يسقط في الحمام أو غير تلك الأماكن قد يصاب بالصرع وذلك لأن الجن تسكن معنا على الأرض.
وأيضا سأنقل بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
العرب تسمي الجن التي تسكن في مساكن الإنس العمار وكثيراً من البيوت مسكونة من صالحي الجن أو من شياطينهم ، ففي الأثر عن يزيد بن جابر قال : (ما من أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف بيتهم من الجن من المسلمين ، إذا وضع غدائهم نزلوا فتغدوا معهم ، وإذا وضعوا عشاءهم نزلوا فتعشوا معهم ، يدفع الله بهم عنهم ).
جاء في صحيح مسلم عن أَبي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلاتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَهُ اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي فَدَخلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى قَالَ فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وفي روايةِ أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وإلا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ .
وفي رواية عند أبي داود عَنْ أَبِي السَّائِبِ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدُهُ سَمِعْتُ تَحْتَ سَرِيرِهِ تَحْرِيكَ شَيْءٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَا لَكَ قُلْتُ حَيَّةٌ هَاهُنَا قَالَ فَتُرِيدُ مَاذَا ؟، قُلْتُ: أَقْتُلُهَا ،فَأَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَارِهِ تِلْقَاءَ بَيْتِهِ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ عَمٍّ لِي كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الأحزابِ اسْتَأْذَنَ إِلَى أَهْلِهِ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِسِلاحِهِ فَأَتَى دَارَهُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَقَالَتْ لا تَعْجَلْ حَتَّى تَنْظُرَ مَا أَخْرَجَنِي فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَإِذَا حَيَّةٌ مُنْكَرَةٌ فَطَعَنَهَا بِالرُّمْحِ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فِي الرُّمْحِ تَرْتَكِضُ قَالَ فَلا أَدْرِي أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الرَّجُلُ أَوِ الْحَيَّةُ فَأَتَى قَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ صَاحِبَنَا فَقَالَ اسْتَغْفرُوا لِصَاحِبِكُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ أَسْلَمُوا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ فَحَذِّرُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدُ أَنْ تَقْتُلُوهُ فَاقْتُلُوهُ بَعْدَ الثّلاث، وفي رواية فليؤذنه ثلاثا فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان ، وفي رواية فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالابْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ قَالَ عَبْدُاللَّهِ فَبَيْنَما أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلَهَا فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ لا تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ قَالَ إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الْعَوَامِرُ ( رواه البخاري في صحيحه ).
وفي رواية عند مسلم " نهى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلا الابْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاء".
الابتر : قصير الذنب .
ذا الطفيتين : الخطان الأبيضان على ظهر الحية .
وعند أبي داود عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْهَوَامَّ مِنَ الْجِنِّ فَمَنْ رَأَى فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فَلْيُحَرِّجْ عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ عَادَ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ.
........
إليك أكبر مثال فإني سأورد بلتفصيل قصتي إن شاء الله قريبا :هذه نبذة عن قصتي : قبل زواجي عشت أنا ووالدي في بيته الكبير وبحكم إني أصغر أخواتي وكلهن متزوجات بقيت أنا وهو فترة طويلة وحيدين في المنزل والبيت كبير وكنا لا نستعمل إلا غرفتين منه والباقي شبه مهجور قبل أن تهجر الغرف (قبل وفاة والدتي وزواج إخواتي )لم نكن نلاحظ اي تسلط للجن
أعتذر علإطالة ....لكني أحببت أن أوضح وجهة نظري من الموضوع ......أي إني أؤمن بوجود الجن خاصة في الأماكن المهجورة ....
تحياتي وإحتراماتي.......
هلا والله حي الله .........بأختي الغالية (بنت سوريا)
هلا وغلا نورتي خيتو بدك زلغوووووطة وأخيرا بينتي ^_^
نورتي حبيبتي .......
الله يجمعني فيكي على خير يارب
بعرفك انتي بتدوري ورى الشغلات المخيفة مشان هيك ما عجبتك القصة هههههههه للأسف ما بقدر أضيف على القصص أكشن وإثارة ورعب لأني براعي مصداقية الأخبار والنقل الدقيق ولا كان عادي يعني خليتلك القصة بتموت رعب ههههههههه
يا ستي ولا يهمك بدك ترتعبي بعد شوي روحي على قسم جن وأشباح وإرتعبي قد ما بدك ههههههه
حتشوفي الفيديو يلي حكيتلك عنو عن مراية البنت اليابانية المخيفة @_@ هلأ شوي وبضيفو
تحياتي......
:( :(
انا لم اقل لا يوجد جن لكن انا قلت بالنسبة لهذه القصة لان من المتتبعين فيها ورأيت في تتبعي لا يوجد فيها شيء مجرد روايات
انا تعرضت لمواقف كثيرة مع الجن وسوف ارويها ان شاء الله وواجهت امور كثيرة بهذا الجن موجود انا لم انفي هذا
منور أخي رامي...^_^
بعرف إنك ما بتنفي وجود الجن بشكل عام لأنك صاحب مدونة كبيرة متميزة مختصة بلأمور الغريبة والمميزة :))
أنا كان قصدي عن هي القرية بيكفيني أنها مهجورة وفي عنها أقاويل .....يعني مثيرة للشك ....فعلا أنا توسعت ببحوثي عن هذه القرية ولكني لم أجد إلا هذه القصة التي تناقلتها الكثير من المواقع ...وأثارت فضولي .....فحبيت أحطها بقسم قرى وبيوت وأماكن مهجورة .....
ومو شرط يكون في تجارب أذية من الجن لحتى يثبت وجود الجن سواء في هذه القرية أو في اي مكان مهجور ....لأن إذا إنتبهت على عنوان مدونتي (أماكن غير طبيعية)يعني أنا مهتمة جدا بهيك أماكن هجرت من دون سبب ....
منور اخوي .....يلا أنا رايحة أقرئ بعض المواضيع والقصص الشيقة في مدونتك لأنها فعلا رائعة و فريدة من نوعها وبتشبع فضولي -_-
تحياتي وإحتراماتي........
اهلا اهلا اختي
كما لاحظتي انا من المتابعين لك لان محتى التدوينات ممتاز والمدونة رائعة مواضيعها تعجبني ومن ضمن هاويتي الاماكن المخيفة حسنا سوف اعطيك مكان في المانيد هيدبريغ المدينة الامانية ابحثي بالموضوع فعلا شيق موضوعها اتمنى ان اجده عندك منذ فترة حاولت البحث فيه لكن لم اجد وقت واتمنى ان اجد في البحث انت من سوريا وربما حسب اعتقادي من حلب ان لم يخب ظني من اسلوب حديثك لبعض الكلمات اريد ان اعرف عن القنصلية الامريكية في حلب هل هي مسكونة هل تستطيعي البحث فيها
كم يسعدني ويشرفني إنك تكون من متابعين مدونتي ...
مشكور على الإطراء ....كلك زوق أخوي -_-
جاري البحث عن الأمكنة يلي ذكرتلي ياها ...وأشكرك من كل قلبي على إهتمامك ومتابعتك ...
تحياتي....
قريت اول قصة رائعة بصراحة احب ازور اماكن جذي بس مع الاسف ماعندي قروب يشجع :(
هلا والله
والله أنا أحلم إني أزور هيك أماكن تصدقي صحيح مافي إنسان ما يخاف بس حبي للإستكشاف وشوقي لزيارة هيك أماكن تغطي على اي شعور ثاني ^_^
أتمنالك تلاقين جروب يكون شجاع ولا تنسي تحجزيلي مكان معكم :))
والله اتمنى هالشي بصراحة احب نظام الاجانب لمن يكبروا بالسن يتركوا اولادهم ويسووا رحلة حول العالم مع الاصدقاء اتمنى نكون صديقتين علشان بعدين نروح ولكن مانكون عجوزات مشان لا نمشي خطوتين ونكح مرتين لوول
ههههههههه مملوحة تصوري شكلنا ونحن معنا عكاكيز
وطالعين رحلة إستكشافية شكلنا يهبل حيكون صح؟خخخخخخ
والله أتـمنى نصير صديقتين ونزبط كم طلعة سوى ....على الأقل على الأقل للأماكن القريبة الي نقدر نزورها مثل بلدي سورية أو السعودية أو الأردن
بعدين تصدقي ولا مرة رحت فيلكا يقولون مسكونة والبيوت فيها تخوف
قليلي رحتيلها؟؟؟؟؟؟؟
بتعرفي وأنا على طول أقول لزوجي تعجبني فكرة الأوروبيين أو الأسيويين يشتغلو ويجدو ويجتهدوا وبعدين لما يجمعو يطلعو رحل جروبات وما يخلو مكان بالعالم
أتذكر لما كنت بسورية يالله شو اتعرفت على جروبات منهم وكلهم يقولولي نفس الشي.....
إرسال تعليق