skip to main | skip to sidebar
English French German Spain Italian Dutch Arabic

this widget by www.AllBlogTools.com

24‏/01‏/2011

محيط «يوروپا» الخفي

محيط «يوروپا» الخفي(*)
سهول بلون القشدة وكَلَفٌ وخطوط عبثية متداخلة متشابكة

وجبال جليد خفية ـ معالم عجيبة لسطح ألمع قمر ثلجي تابع لكوكب المشتري،

تشير إلى وجود محيط تحت جليده.

<T .R. پاپالاردو> ـ <W .J. هِد> ـ <R. گريلي>

هل ازدهرت الأشياء الحية في مكان آخر في منظومتنا الشمسية، أو أن البيئة الأرضية فريدة في قدرتها على احتضان الأشياء الحية ورعايتها؟ هذا التساؤل أساسي لاستكشافنا الكواكب في الوقت الحاضر. ولقد مرت ثلاثة عقود من الاستطلاع البشري للكواكب وتوابعها الطبيعية؛ ولم يبق إلا قائمة قصيرة من المساكن المحتملة. وربما يكون المأوى الأكثر إثارة هو قمر المشتري يوروپا الغني بالجليد.

إن السمة الجليدية ليوروپا تشبه قشرة البيض المشققة. ولقد رَشَحت مادة حمراء خارج الشقوق التي فُتحت بقوى ثقالة المشتري. كما يوجد عدد قليل جدا من الفوهات التي تشير إلى أن السطح حديث العهد جيولوجيا. إن الألوان على صورة سفينة الفضاء گاليليو هذه مبالغ فيها لكنها حقيقية. كما كشفت سفن فضائية أخرى أن القسم الداخلي ليوروپا يتألف بشكل رئيسي من صخر وطبقة خارجية مائية (إما على شكل سائل أو صلب) بسماكة نحو 100 كيلومتر (أسفل اليمين). ولا بد أن يكون معظم هذا الماء سائلا ليعلل المظاهر السطحية، كمثل تلك الكومات الدائرية التي دُفعت بوساطة الفقاقيع الصاعدة المكونة من الجليد الساخن نسبيا (في أقصى اليمين) والتي تخترق السطح أحيانا.

ولعدة قرون، عرف الفلكيون القمر يوروپا كثقيب ضوئي، حتى بأكثر المقاريب قوة. وفي عام 1960 أظهر التحليل الطيفي أن هذا التابع مغطى بالجليد، شأنه شأن العديد من التوابع في المناطق الباردة التي يمكن الوصول إليها في المنظومة الشمسية. وإذ تبلغ فيه درجة حرارة السطح 110 كلڤن (-260 درجة فهرنهايت) قرب خط الاستواء، و50 كلڤن قرب القطبين، فإن ذلك الجليد لا بد وأن يشكل قشرة صلبة كالصخر. وليس هناك من طريقة للباحثين للسَّبر أعمق من ذلك، وليس لديهم من مبرر ليتوقعوا أي شيء خاص جراء ذلك. غير أنه خلال العقدين السابقين، وخاصة خلال السنوات القليلة المنصرمة، كشفت سفينة فضاء زائرة صورا راديوية رائعة لسطح ناشئ بالغ التشوه. ويبدو أنه لا بد أن يكون هناك، وبمكان ما أسفل القشرة الجليدية، جزء داخلي دافئ ومتحرك، فهل هي مثلجة جليدية glacial ice؟ أو أن الأجزاء الداخلية ليوروپا دافئة بشكل كاف بحيث تغذي محيطا من الماء السائل. وإذا كان الأمر ذاك الأخير فإننا نستطيع أن نرتقي بمخيلتنا ونتساءل فيما إذا كانت الحياة قد نشأت داخل الأعماق المظلمة.

لقد حاول علماء الكواكب ـ منذ رحلتي سفينة الفضاء «ڤوياجر» التي حلقت قرب المشتري وتوابعه عام 1979 استنتاج ما بداخل يوروپا [انظر: "The Galilean Moons of Jupiter,"by Laurence A. Soderblom;Scientific American, January 1980]. لقد فرض علينا علم الميكانيك السماوي أن باستطاعة سفينة الفضاء هذه المرور بيوروپا عن بعد فقط. ومع ذلك فالصور التي حصلوا عليها كانت محيرة. فقد ظهر يوروپا أشبه بكرة من الخيط تتقاطع سهوله اللامعة متصالبة مع أحزمة وحيود. ولاحظ الباحثون أن بعض الأحزمة ذات الشكل الإسفيني لها أطراف متقابلة ومتوافقة تماما. وبشكل ما فإن السطح الجليدي اللامع قد انشطر مظهرا مادة داكنة، كانت سائلة بشكل كاف بحيث تخللت الفجوة الناشئة. إن هذه المعالم تشبه الفتحات المملوءة بالماء الموجودة بين الألواح (الصفائح) الطافية لجليد البحر على الأرض.


وبصورة غير متوقعة وجد باحثو ڤوياجر على يوروپا عددا قليلا جدا من الفوهات الصدمية الضخمة. تتجمّع الفوهات الصدمية على السطح الكوكبي ببطء عند قذفه من آن لآخر بحطام الكويكبات والمذنبات. وإذا كان يوروپا يفتقر إلى فوهات بركانية واضحة، فإن ذلك يعني أن الأحداث التكتونية والبركانية في الماضي المتأخر نسبيا لا بد أنها أعادت رصف سطح يوروپا. استنتج خبير الفوهات الراحل <E. شوميكر> ـ اعتمادا على عدد المذنبات العابرة لمدارات المشتري ـ أن الفوهة التي قطرها أكثر من 10 كيلومترات يجب أن تتشكل وسطيا مرة كل 1.5 مليون سنة في المتوسط. إن استقراء فوهات يوروپا القليلة والمعروفة يشير إلى أن 45 فوهة من مثل هذا الحجم قد توجد عبر التابع، مشيرة إلى أن عمر السطح 30 مليون سنة (طرفة عين من الزمن الجيولوجي). وأضاف شوميكر إن فوهات يوروپا الكبيرة ربما مُهدت مع مرور الزمن إذا كان الداخل دافئا. ومن الممكن أن يكون التابع نشيطا حتى يومنا هذا.


كتل ضخمة من الجليد بحجم مدينة صغيرة تكشف عنها بالتدريج هذه السلسلة من صور گاليليو. لقد تشكل ما يشبه حرف X ضخم مكون من حيدين (الصور الثلاث الأولى في الصف الأعلى) ساعد على تمييز البقعة فيما كانت الكاميرا تزوم (تقترب وتبتعد) مركزة على لطخة داكنة معروفة باسم شواشية معشقة (الصورتان التاليتان)؛ ومن ثم إلى كتل منفردة تشبه جبال الجليد (في الأعلى). وفي زمن ما، ملأ الجليد الدافئ أو الماء السائل أو خليط منهما البحر المنخفض حيث تجثم الكتل الجليدية، وقد تجمدت في أماكنها. ويبدو (في اليمين) تصور فنان محاكيا موقعا مناسبا يعلو بضع مئات من الأمتار عن السطح المطل جنوبا (السهم في الصورة العليا). وتشير الصورة إلى مكان انهيار الوحل وتدحرجه فوق المنحدر فيما تتبخر جسيمات الجليد ببطء.

لكن هذه الفرضية بقيت غير مؤكدة، إذ لم تكن صور ڤوياجر واضحة تماما بحيث تظهر فوهات أصغر حجما. وبالفعل يتمازج مع السهول اللامعة أرض مرقشة مملوءة ببقع داكنة من روابٍ وحفر. وذكر بعض الباحثين أن الفوهات قد تكون مختفية في هذه المناطق الغريبة، مما يعني أن سطح التابع قديم. إضافة إلى ذلك، كيف يمكن لقمر بهذا الصغر أن يكون نشيطا؟ إن أجساما في مثل هذا الحجم، كقمر الأرض، إن هي إلا كرات خامدة من الصخر، فقدت منذ القدم حرارتها الداخلية المولدة بالإشعاع. ومن دون شك ينبغي أن يكون يوروپا الآن باردا وميتا.
أقمار مِشبَك الورق
ثم توصل الباحثون إلى تقدير قوة مصدر حرارة غريب. إنه العَجْن المدجزري: السيرورة التي تحرك البَرْكنة في إيو ـ جار يوروپا ذي لون فطيرة البيتزا. فمن بين جملة أقمار المشتري الكبيرة الأربعة ـ إيو ويوروپا وگانيميد وكاليستو التي تعرف بالتوابع الگاليلية؛ تكريما لمكتشفها ـ تنشغل الثلاثة الأولى برقصة مدارية رشيقة تدعى رنين لاپلاس Laplace resonance. وفي كل مرة يدور گانيميد حول المشتري مرة واحدة (ضمن فترة 7.2 يوم أرضي)، يدور يوروپا مرتين (3.6 يوم)، ويدور إيو أربع مرات (1.8 يوم)، وذلك في دقة بالغة. ويَجْرِفُ الدفع والجر الثقالي الناتج مدارات هذه الأقمار إلى إهليلجات مستطيلة. وتتحرك مقتربة من، ثم مبتعدة عن، كوكبها الوالد في أثناء كل دورة مدارية. واستجابة لذلك يرتفع المد وينخفض في جسم كل تابع. ومثلما يحدث عند ثني مشبك الورق سريعا إلى الأمام وإلى الخلف، فإن هذا اللي المدجزري يولد حرارة [انظر الشكل السفلي في الصفحة 43].

إن هذه التأثيرات تكون أعمق ما يمكن على القمر إيو الذي هو أقرب إلى المشتري، إذ ترتفع درجة الحرارة الداخلية إلى درجة انصهار الصخر، مقوية النشاطات البركانية المتواصلة. ولكون يوروپا أكثر بعدا فإنه يسخن بدرجة أقل، لكن الحسابات الأخيرة تشير إلى أنه قد يمكن الحفاظ على داخله دافئا بما يكفي لصهر الجليد بالأسفل على عمق يتراوح ما بين 15 و 30 كيلومترا، وللحفاظ ـ بالتالي ـ على محيط شامل تحت سطحي.


كان على اختبارات الأرصاد لفرضيات وجود المحيط، الانتظار عشرين عاما تقريبا إلى أن تمت زيارة عوالم گاليليو من قبل سفينة الفضاء التي سميت باسمه. واتخذت سفينة الفضاء مدارها حول المشتري في الشهر12/ 1995. وفي كل بضعة أشهر منذ ذلك الحين كانت تقترب في مسارها بحيث تمر متسارعة بالقرب من أحد التوابع الگاليلية، متضمنا ذلك مرورها بالقمر يوروپا نحو عشر مرات.


ولو أن گاليليو لم ترسل حتى صورة واحدة، فإنه كان باستطاعتها أن تزودنا برؤية مهمة، حيث تتبع المهندسون والعلماء باهتمام إشارة راديوية من السفينة الفضائية في كل مرة كان تحليقها قريبا من التابع، وذلك من أجل قياس الحقل الثقالي ليوروپا. وفي أي دوران وتشوه مدجزري سيكون القمر مسطحا قليلا أو مفلطحا، وكذلك يكون حقله الثقالي غير كروي. تسبب القوة غير المنتظمة انحرافات بسيطة في تردد موجة گاليليو، والتي كان من نتيجتها أن قاس الباحثون تفلطح التابع، وبالتالي توزُّع كتلته الداخلية. (فمن أجل معدل دوران ما، فإن تابعا ذا كتلة مكثفة بشكل مركزي أكبر، سيكون أقل تفلطحا من تابع متجانس.)


يعد الهيكل الخارجي الجلدي الممثل بأرض شواشية على يوروپا واحدا من أغرب المناظر الطبيعية في المنظومة الشمسية. تحوي منطقة ثيرا Thera (النصف الأيسر من الموزاييك) ألواحا (صفائح) جليدية لامعة مُزاحة. أما منطقة ثريس Thrace (النصف الأيمن) فهي متطاولة، تليلية hummocky وأكثر ارتفاعا، حيث تفضى جنوبا إلى حزام رمادي يدعى ليبيا لينيا libya linea. ومن الممكن أن تكون مثل هذه المناطق الشواشية قد تشكلت عند انصهار محيط جوفي داخل القشرة الجليدية ليوروپا أو عندما مزقت السطح فقاقيع الجليد الدافئ الصاعدة.

المطرزاتوالركائزالمائية
استنادا إلى القيمة الوسطية لكثافة يوروپا التي تبلغ 3.04 غرام/سنتيمتر مكعب، فإنه يتكون في أساسه من مادة صخرية. وأشارت بيانات الثقالة إلى أن الصخر يتداخل بين لب حديدي مركزي وقشرة خارجية مكونة من الماء. وبالأخذ بالاعتبار المدى المحتمل لقيم كثافة اللب المعدني والوشاح الصخري، فإن سماكة القشرة المائية ستكون بين 80 و 170 كيلومترا، والأكثر احتمالا أنها تبلغ نحو 100 كيلومتر. فإذا كان جزء كبير منها سائلا، فإن حجمها سيزيد على حجم محيطات الأرض مجتمعة. لكن بيانات ثقالة گاليليو لا تستطيع التأكيد فيما إذا كانت طبقة الماء هذه بكليتها صلبة، أو أنها سائلة جزئيا.

للتوجه بذلك السؤال يجب النظر إلى الصور. فلقد وجد فريق تصوير گاليليو عالَمًا لا شبيه له، حيث يتألف سطحه من نسيج متقن من شقوق وحيود وأحزمة وبقع. ويظن أن الشقوق تشكلت عندما شوهت قوى مدجزرية السطح الجليدي مما أدى إلى تكسيره، أما الحيود فهي بالمثل منتشرة في كل مكان، وتنشق عبر السطح بشكل ازدواجي، وفي كل زوج وادٍ ضيق يصل حتى المركز. إن النماذج المعقولة التي تفسر تشكلها تتطلب ارتفاع الماء السائل أو جليد المثالج الدافئ عبر الشقوق. وربما دفعت «صهارة»، مائية أو جليدية، الجليد الصلب قرب السطح إلى الأعلى فحرَّفته مكونة حيدا مضاعفا. وكاحتمال آخر فإن سائلا جليديا رقيق القوام slurry اندفع إلى السطح لبناء كل حَيد. ومن الممكن أيضا أن توجد حيود متعددة مشيرة إلى أن العملية قد تتكرر لتشكل حيودا متجاورة. وتحاط الحيود الأكثر عَرْضا عادة بِشُرُط ناعمة الحواف، محمرة وداكنة. ومن المحتمل أن يكون التدفق الحراري المرافق لتشكل الحيد قد أدى إلى تشكل هذه الأطراف الداكنة خلال البَرْكنة الجليدية، أو تسامي سطح جليدي متسخ. ومهما تكن الآلية الصحيحة لتشكلها، فإن الحيود تشير إلى تاريخ جيولوجي دينامي وسطح تحتي دافئ.

وقد حاول العلماء ـ استنادا إلى الحيود والشقوق العبثية التي تبدو عشوائية، فهم الأسلوب الذي أدى إلى تمدد يوروپا وتشوهه. إن العَجْن المدجزري ينتج نموذجا مميزا، وتبدو بعض الشقوق والحيود الأحدث متلائمة تماما مع هذا النموذج، إلا أن شيئا آخر لا بد أن يكون قد حدث أيضا. ومن الغريب أنه يبدو أن نمط الإجهاد قد اكتسح السطح على مر الزمن.


في الحقيقة يمكن تفسير نموذج الإجهاد ذاك، لو أن سطح يوروپا كان يدور أسرع من دوران داخله. إن معظم التوابع الطبيعية للمجموعة الشمسية تدور بصورة متزامنة، فنظرا لأنها مطوقة بالقوى المدجزرية، فإنها تدور مرة واحدة بالضبط لكل دورة مدارية، مظهرة دائما نفس الوجه لكوكبها الوالد (وهذا هو السبب في أننا نرى دائما ذات الوجه من قمرنا من الأرض، ولذا فإننا نتحدث عن الوجه «البعيد» للقمر). لكن إذا انفك سطح يوروپا الجليدي ميكانيكيا، أي انفصل عن وشاحه الصخري، فستؤدي ثقالة المشتري إلى دوران السطح بصورة أسرع قليلا من المعدل المتزامن، لذا من السهل على المحيط تحت السطحي أن يسلك كمَحْمل bearing، سامحا للقشرة الجليدية الطافية بالدوران بشكل غير متزامن.


لا يمكن القول على وجه اليقين ما إذا كان الدوران غير المتزامن يجري في يومنا هذا أو أن السطح، عوضا عن ذلك، يسجل نمطا قديما لمعالم طولية غير نشيطة حاليا. لقد قارن العلماء مواقع السمات (الظاهرات) في صور گاليليو بمواقعها في صور ڤوياجر، فلم يجدوا تغيرا يذكر خلال فترة ال20 عاما. واليوم، لا يمكن أن يكون السطح يدور ـ بالنسبة إلى الجزء الداخلي ـ بأسرع من مرة واحدة لكل 000 10 سنة.


شقوق في الجليد على الكرة الأرضية (في اليسار) وعلى يوروپا (في اليمين) تظهر تشابها سطحيا. ففي البحار القطبية الأرضية، يتكسر الجليد العائم فيظهِرُ ماء سائلا أكثر دكانة يتجمد سريعا. وتستطيع الشقوق الانغلاق بعنف دافعة الحيود إلى أعلى. أما على يوروپا فيظن أن الأحزمة والحيود المزدوجة تنتج من عمليات تكتونية. ومقياس الصورتين مختلف جدا، فهذا الشق في جليد البحر عرضه مئة متر في حين يزيد عرض الحزام الغامق فوق يوروپا على 15 كيلومترا.

كذلك ركّزت كاميرا گاليليو على الأحزمة الداكنة الإسفينية الشكل، حيث باحت صور ڤوياجر المنخفضة الميز بأن السهول غير المستوية تمزقت بشكل كلي. وأكدت التحاليل الحديثة أن الجوانب المتقابلة لهذه الأحزمة متطابقة تماما. والمادة الداكنة فيما بينها تحززت على نحو دقيق، وتحوي عادة أخدودا مركزيا جليا، ودرجة ما من التناظر [انظر الشكل في هذه الصفحة]. ومن الممكن اعتبار أن هذه الأحزمة هي المكافِئات الجليدية لمواقع مراكز الانتشار ـ وهي مواقع على قيعان محيطات الأرض، حيث تتحرك الصفائح التكتونية tectonic plates متباعدة بعضها عن بعض دافعة صخرا جديدا إلى الأعلى، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن الجليد تحت السطحي كان متحركا ودافئا في الوقت الذي تشكلت فيه هذه السمات. لكن تكتونية الصفائح هذه لعبة محصلتها صفر: فإذا انبثقت بعض المواد من الداخل فلا بد لمواد أخرى أن تهبط، ويحدث هذا الهبوط على الأرض فيما يسمى نُطُق الاندساس subduction zones. وحتى الآن لم تكتشف مثل هذه النطق على يوروپا.

دورالفقاقيع
تزودنا الأراضي المرقشة الغامضة بدلائل أخرى عن باطن يوروپا، إذ إن صور گاليليو لهذه الأراضي أكثر تفصيلا (10 إلى 100 مرة) من صور ڤوياجر. لقد أظهرتها موشاة بمعالم دائرية وإهليلجية سماها فريق التصوير بالعُدَيسات lenticulae أو النمش، والعديد منها قبابي، وبعضها حفر، والبعض الآخر بقع داكنة ملساء، أو ذو نسيج مختلط خشن. وتبدو قمم القباب مثل قطع من السهول الأقدم ذات الحيود، موحية أن القباب تشكلت عندما دُفعت السهول من الأسفل إلى الأعلى.

ويمكن تفسير تنوع العديسات لو تصورنا أن القشرة الجليدية ليوروپا سلكت مسلك مصباح حممي كوكبي مرصع بكُرات من الجليد الدافئ الصاعد إلى الأعلى من خلال الجليد الأبرد القريب من السطح. ففي تلك الحالة تشكلت القباب عندما ضغطت الكرات على الجانب الأسفل من السطح. وقد تكون الأنسجة الخشنة أمكنة (مواقع) تمزقت فيها الفقاقيع ودمرت السهول. أما البقع الداكنة الملساء فتمثل ماء منطلقا من الكرات الثلجية سرعان ما عاد إلى حالة التجمد.


إن الفقاقيع أو الكرات ـ التي تعرف تقنيا بالطيات الاختراقية diapirs يمكن أن تتكون طبيعيا إذا طفت القشرة الجليدية ليوروپا فوق الماء السائل. وفي هذا السيناريو يضخ اللي المدجزري الحرارة إلى داخل قاعدة القشرة، حيث يكون الجليد قريبا من درجة حرارة انصهاره وقابلا للتشوه بسهولة، ويكون الجليد الدافئ أقل كثافة من الجليد البارد فوقه، ولذا يحاول الصعود إلى أعلى. فإذا كانت القشرة الجليدية سميكة بشكل كاف فإن قوى الطفو تستطيع التغلب على المقاومة اللزجة للانسياب (التي تنقص مع العمق)، فمثلما يرتفع الشمع في قنديل اللابة، سوف تصعد الطيات الاختراقية المكونة من الجليد الدافئ باتجاه السطح، حيث تشكل العديسات المرئية. وتوحي النماذج بأن سماكة القشرة ينبغي أن تكون 10 كيلومترات على الأقل.


إضافة إلى العديسات فإن ـ الأرض المرقشة ـ تحوي معالم يوروپا الأكثر إثارة: مناطق شواشية regions of chaos. ويبدو أن هذه المناطق المختلطة تحوي بقايا جليدية صغيرة من سهول ذات حيود كانت موجودة سابقا شقت طريقها خلال مادة أساسية تُليلية hummocky، مثل الجبال الجليدية التي تنكسر وتنفصل متجهة إلى بحر يضم جليدا منصهرا جزئيا. ومن الممكن إعادة بناء الترتيب الأصلي للكتل الشبيهة بالجبال الجليدية على غرار أحجية الصور المفككة. وهذا ما عمله الباحثون في إحدى هذه المناطق وتدعى شواشية معشقة(1) Conamara Chaos، [انظر الشكل في الصفحة 45]. فلو أن المناطق تشكلت عندما صهرت المياه تحت السطحية طريقها من خلال القشرة الجليدية ليوروپا ثم استعادت تجمدها، فإن التشبيه بحالة الجبال الجليدية قد يكون بالغ الدقة. وهناك احتمال آخر، هو أن تكون واحدة أو أكثر من الطيات الاختراقية قد اندفعت إلى أعلى وسخنت الجليد القريب من السطح محدثة طبقة من خليط الجليد والماء يمكن لكتل الجليد المكسرة المحلحلة أن تنزلق عليها بسهولة، وفي كلتا الحالتين تنبئ المناطق المختلطة بسطح تحتي ساخن، وبحدوث انصهار جزئي على الأقل.


إن المعْلَم اللافت النظر الذي تفتقر إليه الأرض المرقشة هو الفوهات الصدمية الصغيرة؛ ولذا فلا بد أن يكون سطح يوروپا حديثا في الواقع. وبعد تقديرات العمر الريادية التي أجراها شوميكر قام الباحثون بصياغة نماذج كويكبات ومذنبات المنظومة الشمسية، بهدف فهم المعدل الذي تَصدم به يوروپا. ولقد اتفقوا مع اقتراح شوميكر بأن الأجسام التي ضربت التوابع الگاليلية بعنف هي المذنبات بصفة أساسية، أما الكويكبات فكان عددها قليلا جدا. واستنادا إلى أعداد المذنبات المفترضة وتلك التي تم رصدها في جوار المشتري بما فيها مذنب شوميكر-ليفي 9 Comet Shoemaker-Levy الذي غاص في العملاق الغازي في الشهر 7/1994، فقد حسب العلماء أن سطح يوروپا ذا الفوهات القليلة المبعثرة يتراوح عمره ما بين 10 ملايين و250 مليون سنة، ويعتبر ذلك فترة قصيرة من الزمن بالمعايير الجيولوجية، لذا يبدو من المحتمل أن يكون يوروپا مازال نشيطا في هذه الأيام، على الرغم من أنه لم يتم العثور على فوهات براكين دخانية كما هي الحال في إيو.


تعدُّ الفوهات القليلة التي توجد على سطح يوروپا هي نفسها بمثابة مِسبار للاستدلال على سمك القشرة الجليدية. وبعكس الفوهات الصدمية في عوالم أخرى، والتي للواحدة منها شكل القصعة أو الفوهة ذات القعر المسطح، فإن لأكبر معلَمَي اصطدام في يوروپا رقعة مركزية ناعمة محوطة بحلقات متحدة المركز [انظر الشكل العلوي في هذه الصفحة]. لا بد أن الاصطدام الذي أحدث هذين المعلَمَين قد اخترق الجليد الجاسئ القريب من السطح ووصل إلى طبقة ضعيفة في أسفله. ولأن الطبقة الضعيفة لم تتمكن من أن تتخذ شكل فوهة، فإن الصهير والماء المختلط بالجليد سرعان ما اندفعا وجرّا الجليد القريب من السطح إلى الداخل، محطمَيْن السطح إلى حلقات متحدة المركز. وفي حقيقة الأمر فإن هذه الحلقات هي سجلّ متجمد لصخرة ألقيت في بركة، البركة عظيمة الاتساع والصخرة كذلك كبيرة جدا. وقد قدَّر العلماء أبعاد الاصطدام الأصلي من الندب المرئية، وبالتالي قدروا العمق إلى الطبقة الضعيفة بما يتراوح بين 6 و 15 كيلومترا، متفقين في ذلك مع القيم التي توصلت إليها نظرية التسخين المدجزري والنماذج الحاسوبية للكرات (الفقاقيع). لكن بعض مناطق القشرة الجليدية قد تكون أرق كثيرا من غيرها، وهذه نقطة مازالت قيد البحث والمناقشة.

البحيرة التي نسيها الزمن(**)
<D .F. كارسي> ـ <C .J. هورڤاث>

لو كان هناك منتصف لمكان وهمي، فإن بحيرة ڤَسْتُوك التي تقع في قارة القطب الجنوبي هي ذلك. وللوصول إلى هناك يجب الذهاب أولا إلى قاعدة علمية روسية في مكان مشهور بمناخه الذي هو الأسوأ في العالم، وعندئذ يجب الحفر إلى عمق أربعة كيلومترات باستقامة إلى الأسفل. وهناك بعيدا عن العالم الخارجي ولعدة ملايين خلت من السنين، توجد كتلة من الماء العذب تبلغ مساحتها قدر مساحة بحيرة أونتاريو تقريبا، كما أنها أعمق منها بمرتين. وربما كانت أقرب الأشياء على كوكب الأرض إلى المحيط المفترض في يوروپا.

في عام 1970 جاء الدليل الأول على البحيرة المفقودة من رادار صدى الصوت المحمول جوا، الذي يخترق الجليد وينعكس على الصخور التحتية أو الماء. إن قوة الإشارة المنعكسة، والهندسة المنبسطة للسطح تحت الجليدي كشفتا بوضوح عن وجود الماء والذي تم إثباته بإعادة فحص البيانات الزلزالية الروسية القديمة. ولم يدرك الباحثون الحجم الحقيقي للبحيرة إلا في عام 1996 بعد أن سبروا الامتداد الأملس للسقف الجليدي بالساتل الأوروبي للاستشعار عن بعد. وإلى الآن لم يحفر أحد في ذلك السقف الجليدي، ولو أن خطط الحفر جارية على قدم وساق.

يبلغ ارتفاع ظهر الجليد 3700 متر، أما سطح البحيرة نفسه فهو تحت مستوى البحر. واستنادا إلى الخطوط الكنتورية لطبقة صخر الأساس المحيطة، يمكن القول إن حوض البحيرة قد يكون شقا تكتونيا خسفيا، أي مساحة ممزقة من الأرض مثل تلك المملوءة ببحيرة بايكال أو البحر الأحمر. والسؤال الآن: لماذا لا يكون الماء هناك، وليس مجرد المزيد من الجليد؟ توحي بعض الشواهد الجيولوجية بوجود بقعة حارة مشابهة لتلك المسؤولة عن بناء جزر هاواي ولكنها أصغر منها، وحتى من دون بقعة حارة فإن التسرب الضئيل للحرارة من باطن الأرض كاف للوصول إلى درجة الانصهار بسبب التأثير العزلي للجليد، وفي الواقع فإن وجود بحيرات ما تحت الجليد ليس أمرا غير مألوف في القارة القطبية الجنوبية، غير أن ڤَسْتُوك ـ ببساطة ـ هي الأضخم.

وفي الوقت نفسه تقريبا الذي كان العلماء الروس والبريطانيون يمسحون ڤَسْتُوك، كانت الأحداث الجارية في أماكن أخرى تكشف عن مدى أهمية مياهها الأصلية للعلم، فقد ظهرت الميكروبات في بيئات قاسية ـ حول الفتحات البركانية للبحار العميقة، وفي بحيرات القطب الجنوبي المغطاة بالجليد والأكثر ضحالة، وفي البحيرات القلوية مثل بحيرة مونو في كاليفورنيا ـ وكلها بيئات تملك شيئا واحدا فقط مشتركا، هو وجود الماء السائل. وخلال ذلك بدأت سفينة الفضاء گاليليو باكتشاف أن القمر يوروپا قد يكون له محيطه الخاص به تحت الجليد. إن عمق الغطاء الجليدي لڤستوك ويوروپا متشابهان. وباستثناء الضغوط المنخفضة على يوروپا (حيث تساوي ثقالته نحو سُبع قوة ثقالة الأرض)، فإن الظروف قابلة للمقارنة. فإذا استطاعت الكائنات الحية استعمار بحيرة ڤَسْتوك؛ وهذا هو الرأي السائد، فلربما قد تجد لها موضعا ملائما في يوروپا.

منذ ثلاث سنوات اقترحنا مع آخرين في مختبر الدفع النفاث استكشاف بحيرة ڤَسْتوك والتابع يوروپا مستعملين المقاربة الأساسية ذاتها. إذ ستستفيد ڤَسْتوك من التقانة المطورة ليوروپا، في حين يستطيع مستكشف يوروپا أن يمارس عمله بالقرب من قاعدته. وبالتعاون مع خبراء في مؤسسة وودز هول لعلم المحيطات وجامعة نبراسكا، استقصينا إمكانية استخدام زوج من الأجهزة: قمرة جليدية cryobot تذيب طريقها خلال الجليد، وغواصة صغيرة، أو قمرة مائية hydrobot للبحث عن حياة والقيام بقياسات أخرى.

غني عن القول إن ذلك التصميم سيكون تحديا. إذ إن الضغوط العالية في البحار تحت السطحية ـ التي تزيد على تلك الواقعة على متن سفينة تيتانيك الغارقة ـ يبدو أنها تتطلب قمرة مائية كبيرة وثقيلة التدريع، لكن من الصعب إرسال قمرة مائية كبيرة وثقيلة التدريع إلى يوروپا، كما ينبغي أن تكون القمرة المائية مستقلة ذاتيا ولها القدرة على الاستجابة لبيئة معقدة، تضم صدوعا وصخورا وما إلى ذلك. ويجب على مختبراتها الكيميائية البالغة الصغر التي على متنها القيام بمسح البيئة والبحث عن الميكروبات، حتى لو كانت لا تشابه مطلقا تلك التي تمت مشاهدتها في مكان آخر. ويجب تعقيم الجهازين تماما بحيث لا يؤديان إلى تلوث الماء بالميكروبات المألوفة. إن مقابلة جميع هذه المتطلبات تتجاوز القدرات والمهارات الحالية في مجالي حفر الجليد والغواصات المصغرة. لكن المهندسين متفائلون، ووفقا للخطة، فسيجري البدء باستكشاف بحيرة ڤستوك في عام 2003، وربما يبدأ استكشاف يوروپا بعد ذلك بعقد من السنين.

المؤلفان يقودان المبادرة «يوروپا/بحيرة ڤستوك» في مختبر الدفع النفاث التابع لمعهد كاليفورنيا للتقانة في پاسادينا بكاليفورنيا.


اندست بحيرة ڤَسْتوك بعيدا في وادٍ خسفي شرق القارة القطبية الجنوبية وغطيت بنحو أربعة كيلومترات من الجليد المتحرك ببطء. يطفو الجليد فوق البحيرة كما يفعل الجبل الجليدي (في اليمين). ولدعم ارتفاع خفيف لسطح الجليد، ينحدر سطح البحيرة بنحو 400 متر من الجنوب إلى الشمال. وقد توجد الرسابات على القاع. وتقع محطة ڤستوك الروسية فوق النهاية الجنوبية مباشرة (النقطة الحمراء). المقياس الشاقولي محرَّف.


كما في أحجية الصور المقطوعة، يمكن إعادة تركيب قطع الشواشية المعشقة. لقد رأت سفينة الفضاء گاليليو خليطا غير منتظم من الكتل الجليدية المحتشدة والملتوية داخل مادة أساسية متجلدة (في اليسار). وبإعادة تركيبها (في اليمين) ميز العلماء المادة الأساسية (الأحمر)، وأعادوا الكتل الجليدية المتوجة بالحيود بقدر المستطاع إلى مواقعها الأصلية. لكن أكثر من نصف هذه القطع فقدت وتحولت إلى مادة أساسية. وتشهد المنطقة المعقدة والملتوية على نشاط وحيوية جيولوجية يوروپا.

شُرُطالمطيافNIMS
تحمل سفينة الفضاء «گاليليو» إضافة إلى الكاميرا الخاصة بها ما يسمى بالمطياف الخرائطي بالأشعة تحت الحمراء القريبة near-infrared mapping spectrometer (NIMS). وقد حلَّلت هذه الآلة الضوء الذي يعكسه سطح يوروپا، وكما هو متوقع فقد كشفت الآلة عن الشُّرُط الطيفية المميزة لجليد الماء؛ لكن الشُّرُط بدت منحرفة (مائلة) وغير متناظرة. وهذه علامة على اختلاط بعض الشوائب بالجليد وبخاصة في المساحات التي تبدو غامقة أو مائلة إلى الاحمرار في حالة الموجات المرئية. واتجه التفكير رأسا إلى وجود أحد الأملاح وبالذات كبريتات المغنيزيوم [انظر الشكل العلوي في الصفحة 41]. وإذا كان الأمر كذلك فإن يوروپا يحمل أضخم رواسب لملح إپسوم في المجموعة الشمسية.

ولما كانت الأملاح عديمة اللون أو بيضاء بصفة عامة، فلا بد أن بعض المواد الأخرى موجودة أيضا، وهي المسؤولة عن اللون المائل إلى الاحمرار. وقد حيرت العلماء ـ ومازالت ـ هوية هذه المادة الشائبة، لكن الشك يحوم حول مركبات الكبريت أو الحديد. وفيما قبل بعثة «گاليليو» كان بعض الباحثين قد تنبأ بأن المحيط الداخلي ليوروپا يحتمل أن يكون أُجاجا تماما، استنادا إلى أن شهبا كثيرة تحتوي على أملاح. وربما تكشف كيمياء المواد السطحية ليوروپا عن محيط خفي من مياه مَسوسة (قليلة الملوحة).


وثمة آلتان أخريان من سفينة الفضاء «گاليليو» دعَّمتا نظرية المحيط. فقد قام المقياس الراديوي العامل بالاستقطاب الضوئي photopolarimeter- radiometer، بقياس درجات الحرارة عبر سطح التابع يوروپا فتبين أن مناطق خطوط العرض العالية حارة بصورة غير مألوفة في الليل (نحو 5 درجات كلڤن) مقارنة بالمناطق الاستوائية. قد يكون هذا الانحراف تأكيدا على أنه إضافة إلى التسخين الخارجي الضعيف بأشعة الشمس فإن يوروپا يمتلك مصدرا حراريا داخليا قويا وهو اللي المدجزري.


إن واحدا من أكثر المؤشرات الآسرة حول الحالة الداخلية الحالية ليوروپا جاء من فريق مقياس المغنطيسية لگاليليو، فالتوابع الگاليلية مغمورة في داخل الحقل المغنطيسي القوي للمشتري. وأظهرت قياسات الحقل المحيط بالقرب من يوروپا انحرافات مرافقة للتابع. ويمكن تفسير هذه الانحرافات لو كان ليوروپا حقل مغنطيسي ذاتي، إلا أن المحور المغنطيسي ينبغي أن يميل (على محور الدوران) بزاوية شديدة الانحدار بصورة غير عادية. وكفكرة بديلة، ربما تكون الطبقة تحت السطحية ليوروپا موصلا كهربائيا يستجيب للتغيرات الزمنية للحقل المغنطيسي للمشتري (بحقل مغنطيسي مُستحثٍّ مستقل خاص به). وفي هذا السيناريو يجب ألا تقل قدرة الموصل الكهربائي الداخلي عن قدرة مياه البحر المالحة على التوصيل الكهربائي.


من المدهش أن مقياس المغنطيسية كشف كذلك حقلا مغنطيسيا مشابها قرب كاليستو Callisto، وهو تابع قمري ذو سطح مليء بفوهات غزيرة وكبيرة لم يزودنا بأي إشارة إلى احتوائه محيطا تحت سطحي، وكاحتمالية مثيرة فإن جميع التوابع الجليدية الضخمة في المنظومة الشمسية لها محيطات مالحة في داخلها. وهي آثار متبقية لأزمنتها الأدفأ الماضية. وقد خُطط للتحليق الأخير المنخفض لگاليليو على يوروپا ليكون في الشهر 1/2000 وأن يكرَّس لتعيين مصدر الحقل المغنطيسي.


لقد اجتمعت النظرية والمشاهدة على الإشارة بقوة إلى وجود محيط شامل في داخل يوروپا اليوم، لكن وجوده لم يُبرهن بشكل لا لبس فيه. إذ يمكن للجليد تحت السطحي الدافئ محاكاة العديد من تأثيرات محيط داخلي. وعلى الرغم من أن سطح التابع ليس فيه إلا قلة من الفوهات المتناثرة، وأنه قد يكون حديث العهد جيولوجيا، فإن البحث عن دليل محدد لنشاطات جيولوجية حالية لم يكن مثمرا. فلربما كان ليوروپا محيط في الماضي القريب إلا أنه الآن جليد صلب. ولكن ليس هناك إلا طريقة واحدة للتأكد من ذلك: وهي عودة سفينة فضاء إلى يوروپا على أن تعبر في هذه المرة إلى داخل المدار.


وهذا تماما ما تخطط «ناسا» لعمله. ومن الممكن أن تنطلق المهمة المدارية ليوروپا مبكرة في الشهر 11/2003، وستدخل مدار المشتري بعد ذلك بثلاث سنوات، ومن ثم ستذهب بعد عامين إلى مدار حول يوروپا بارتفاع وسطي قدره 200 كيلومتر تقريبا. إن اقتفاء أثر موضع يوروپا وارتفاعه يمكن أن يعطيا خريطة للحقل التثاقلي للتابع ولشكله، تتميز بالتفصيل الكافي لتتبع الانحسار والتدفق المدجزري، فيما يدور القمر متدحرجا حول المشتري. فلو كان ليوروپا بحر تحت سطحي بالفعل فلا بد لسطحه أن يعلو ويهبط مسافة 30 مترا في كل دورة من 3.6 يوم، وإلا فإن الانبعاج المدجزري سيتغير بنحو متر واحد فقط. وهكذا فإن المدار اليوروپي يمكن أن يزودنا بالاختبار الحاسم عن وجود المحيط.


في أثناء ذلك ستصور كاميرا سفينة الفضاء التابعَ، وسيسبر الرادار الطبقة تحت السطحية باحثا عن نطق الانصهار الضحلة. واعتمادا على درجة حرارة الجليد المتشكل ونقاوته، فإن إشارة الرادار قد تكون قادرة على اختراق القشرة الجليدية ليوروپا للتحري عن وجود محيط تحتها، بالطريقة نفسها التي استخدم فيها الرادار حديثا لرسم خريطة لبحيرة ڤَسْتُوك Vostoc في القارة المتجمدة الجنوبية، وقد غطت البحيرة طبقة من الجليد المجلدي البارد سمكها أربعة كيلومترات [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 44].


إن الحياة ـ كما عرفناها وفهمناها ـ تتطلب ثلاثة مكونات رئيسية: طاقة وكربونا وماء سائلا. إن يوروپا قد يمتلك تلك المكونات الثلاثة. وبوسع اللي المدجزري أن يسخن الوشاح الصخري وأن يؤدي إلى البركنة على قاع محيط يوروپا. ففي المناطق البركانية على قاع محيطات الكرة الأرضية، ينتشر الماء في الصخور الحارة وينبثق غنيا بالمغذيات الكيميائية. وتزدهر المجتمعات البيولوجية في هذه الواحات الدافئة، غير أنها ـ مع ذلك ـ تعتمد إلى حد بعيد على المنظومة البيئية السطحية، وبصفة أساسية على الأكسجين المذاب في مياه البحر، والمنطلق من عملية البناء الضوئي [انظر: "Hot Springs on the Ocean Floor,"by J. M. Edmond - K. Von Damm; Scientific American, April 1983]. ومن ناحية أخرى ستعتمد الحياة في قاع المحيط العميق ليوروپا تماما على ذاتها وستكون مصادر الطاقة الكيميائية المتوافرة محدودة جدا. وعلى الرغم من أن قيام حياة ميكروبية قد يتحقق، فإن الكائنات المتنوعة والمعقدة بيولوجيا التي تقطن محيطات الأرض لا يُحتمل أن تستطيع ذلك.


إذا أكدت البعثة المستقبلَة إلى مدار يوروپا وجود محيط تحت سطحي، فإن الخطوة المنطقية التالية هي فحص السطح في الموقع. إن إنسالةً(2) (روبوتا) صغيرة تحط على السطح تستطيع تحليل المركبات العضوية الموجودة في حفنة من الجليد. ومن الممكن في آخر الأمر لغواصة إنسالية صغيرة أن تصهر ممرا في القشرة الجليدية. فمياه يوروپا الشديدة الملوحة، والتي نعتمد في حدسنا الحالي على وجودها على وسائل غير مباشرة فقط، سوف تكون عندئذ معروفة لنا مباشرةً من مصدرها الأصلي. ومن الممكن أن نتبين في النهاية أننا لسنا وحدنا في المنظومة الشمسية.


المؤلفون

R. T. Pappalardo - J. W. Head - R. Greeley
عملوا معا سنوات عديدة في فريق تصوير گاليليو، لقد نما لدى پاپالاردو الاهتمام بتوابع المشتري من خلال مشاهدات ڤوياجر 1979 عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية. وهو الآن باحث مشارك في جامعة براون، وقد عمل أيضا مع متاحف علمية عديدة وذلك لتطوير معارض عن الاكتشافات الكوكبية. أما هِد فقد بدأ حياته العملية بالمساعدة على اختيار مواقع هبوط أپولو وفي تدريب رواد الفضاء، ومنذ ذلك الحين عمل أستاذا للجيولوجيا في جامعة براون وشارك تقريبا في كل مهمة كوكبية رئيسية، وتعاون مع علماء روس لعدة عقود، منذ أن كان الستار الحديدي موجودا كعائق علمي وسياسي. أما كريلي فهو أحد علماء الكواكب المتمرسين، بدأ العمل في ناسا أثناء القيام بمهمة عسكرية في مرحلة ما قبل أپولو. ولما رأى كيفية تطبيق المبادئ الجيولوجية على الأجسام اللاأرضية، والتي كانت فكرة جديدة في ذلك الوقت، قرر أن يبقى في ناسا، وهو الآن أستاذ في جامعة ولاية أريزونا.
مراجع للاستزادة
GEOLOGY OF EUROPA. Baerbel K. Lucchitta and Laurence A. Soderblom in Satellites of Jupiter. Edited by David Morrison. University of Arizona Press, 1982.
EVIDENCE FOR A SUBSURFACE OCEAN ON EUROPA. Michael H. Carr et al. in Nature, Vol. 391, pages 363-365; January 22, 1998.
EUROPA: INITIAL GALILEO GEOLOGICAL OBSERVATIONS. Ronald Greeley et al. in Icarus, Vol. 135, pages 4-24; September 1998.
THE NEW SOLAR SYSTEM. Fourth edition. Edited by J. Kelly Beatty, Carolyn Collins Petersen and Andrew Chaikin. Cambridge University Press, 1998.
The Galileo project site is at on the World Wide Web.
The Europa Orbiter site is on the World Wide Web.
Scientific American, October 1999
(*) The Hidden Ocean of Europa

(**) The Lake That Time Forgot


(1) مظهر لأراضٍ متداخلة معشّق بعضها ببعض. (التحرير)

(2) نحت من إنسان - آلي Robot.
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد مايو - يونيو 2000

1 التعليقات:

  1. سبحان الله الخالق المبدع.
    الف شكر عالموضوع .

إرسال تعليق